دمشق-سانا
تُعتبر مئذنة العروس في الجامع الأموي بدمشق، وهي من أقدم مآذن الجامع الثلاث، إرثاً حضارياً وشاهداً على ريادة المدينة في علوم الفلك والميقات، لم تكن هذه المئذنة مجرد مكان لتأدية نداء الصلاة، بل كانت بمثابة برج رصد فلكي متكامل، استُغِل ارتفاعها الشاهق في عمليات المراقبة الفلكية الدقيقة وقياس الوقت.

ويبلغ ارتفاع المئذنة الإجمالي من مستوى الأرض حتى رأس الهلال 54 متراً، ويصل عدد درجاتها إلى 195 درجة. واشتُهرت باسم “مئذنة العروس” لجمالها وبنائها المتقن، وقد أسهم تصميمها المعماري، وخاصة جدارها الجنوبي، في توفير الظل اللازم في أوقات محددة، بينما ساعد ارتفاعها المؤقتين على ربط القياسات الأرضية بأفق السماء مباشرة.
قلب المرصد.. مزولة ابن الشاطر
في إطار دورها المركزي في علم الميقات، تحتضن المئذنة عند قاعدتها في جهتها الجنوبية تحفة فلكية فريدة، هي “مزولة ابن الشاطر” الشمسية، ويؤكد رئيس الجمعية الفلكية السورية محمد العصيري لمراسل سانا أنها لم تكن مجرد أداة لضبط الوقت، بل كانت “آلة جامعة للأعمال الميقاتية” تُجسد نظريات فلكية متقدمة سبقت عصرها.

شغل العلامة ابن الشاطر مصمم المزولة “وهي ساعة شمسية وأداة توقيت نهاري”، حسب ما أوضح العصيري، منصب كبير المؤقتين في الجامع الأموي، واستطاع من خلال هذه المنصة العلمية الفريدة أن يبتكر آلة دقيقة لا تُضاهى في تحديد أوقات الصلوات، وتتألف المزولة من لوح رخامي نُقشت عليه دوائر ومقنطرات فلكية، يتوسطه مؤشر نحاسي (الشاهد) يُسقط ظله لتحديد الوقت بدقة فائقة.
ويكمن سر تفرد هذه المزولة، وفقاً للدكتور العصيري، في استخدامها لحساب الوقت بناءً على “دقائق اختلاف الآفاق المرئية”، ما يجعلها أداة متقدمة جداً في علم الميقات، وهي دقة نابعة من الأسس النظرية المتقدمة التي وضعها ابن الشاطر في علم الفلك، والتي تجاوزت مجرد الرصد المباشر للظل.
إرث يحفز المستقبل

ويختتم العصيري بالتشديد على أن إنجازات علماء مثل ابن الشاطر، والتي توجت من على منصة مئذنة العروس، ليست مجرد قصص تاريخية، بل هي منارات تحفز الأجيال الشابة على التعمق في علوم الفلك والرياضيات، ومتابعة هذا الدرب العلمي المشرق لاستعادة دور سوريا الريادي في مجال البحث والابتكار.
وتبذل وزارة الأوقاف جهوداً حثيثةً في ترميم الجامع الأموي الكبير، لتعيد له رونقه التاريخي وليظل رمزاً للعلم والحضارة الإسلامية بعد سنوات من الإهمال الذي تعرض له من قبل النظام البائد..
