القدس المحتلة-سانا
دخل اتفاق وقف إطلاق النار في غزة حيّز التنفيذ في العاشر من شهر تشرين الأول الماضي، حاملاً معه آمالاً بإنهاء معاناة الفلسطينيين المستمرة منذ أكثر من عامين، إلا أن الخروقات الإسرائيلية المتكررة للاتفاق سرعان ما بددت تلك الآمال، لتتواصل الأوضاع الإنسانية في القطاع بالتدهور.
وتبرز أزمة المياه اليوم كأحد أشد مظاهر هذه المعاناة، بعدما دمر طيران الاحتلال البنية التحتية لشبكات المياه والصرف الصحي في قطاع غزة، ما ترك السكان يواجهون نقصاً حاداً في المياه الصالحة للشرب وظروفاً بيئية وصحية بالغة القسوة.
وتظهر الأرقام حجم الاستهداف المباشر لمصادر الحياة في القطاع المدمر ووفق معطيات المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، استهدف جيش الاحتلال منذ الـ 7 من تشرين الأول 2023 نحو 112 مصدراً لتعبئة المياه العذبة، ودمر 720 بئراً وأخرجها عن الخدمة بشكل كامل.
في المقابل، تستمر جهود الإنقاذ اليائسة، حيث أكد مدير عام وحدة إدارة المشاريع في سلطة المياه بغزة سعدي علي، أنهم يواصلون العمل بجهد لإيصال المياه عبر الصهاريج وزيادة نقاط التعبئة، مشيراً إلى أنه ورغم إعادة تشغيل 12 بئراً، منها 7 في مدينة غزة، إلا أن العائق الرئيسي هو إغلاق المعابر ومنع دخول الأدوات اللازمة للصيانة، ما يعرقل جهود إنقاذ شبكات المياه ومحطات الصرف الصحي.
كارثة المياه في غزة لم تعد نقصاً في الإمدادات فحسب، بل أصبحت تلوثاً كارثياً للحوض الجوفي الساحلي نتيجة تسرب مياه البحر ومخلفات الصرف الصحي بعد تدمير البنية التحتية، وفي هذا السياق حذرت منظمة الصحة العالمية من أن هذه البيئة المكتظة في القطاع، مع النقص الحاد في المياه النظيفة، تُعدُّ أرضاً خصبة لانتشار الأمراض المعدية سريعة الانتقال، حيث يواجه القطاع خطر تفشي الإسهالات الحادة، والتهاب الكبد الوبائي، والأمراض الجلدية.
في غزة، تحول البحث عن الماء إلى معركة جسدية واستنزاف اقتصادي قاسٍ، إذ يجد السكان أنفسهم مجبرين على الاعتماد كلياً على صهاريج ومحطات تحلية بدائية تعتمد على وقود نادر الوجود في ظل انعدام المياه الجارية، وذلك لتوفير الحد الأدنى للشرب والطهي الذي بات صراعاً يومياً يستنزف ساعات طويلة من التنقل الشاق وسط الركام.
ويبقى المصير معلقاً بإعادة بناء عاجلة لشبكات المياه والصرف الصحي بالكامل، وهي مهمة شبه مستحيلة لأنها تتطلب وقفاً دائماً لإطلاق النار ورفعاً فورياً للحصار، للسماح بإدخال مواد البناء والوقود، لأن منع ذلك يعني ببساطة تحويل أزمة العطش إلى كارثة إنسانية وصحية شاملة تهدد استقرار وبقاء السكان في القطاع.