الخرطوم-سانا
بين مطرقة الحصار وسندان الموت جوعاً أو إعداماً، تعيش مدينة الفاشر، كبرى مدن إقليم دارفور غرب السودان، أوضاعاً إنسانية مأساوية بعد إعلان قوات الدعم السريع سيطرتها الكاملة على المدينة، عقب انسحاب الجيش السوداني منها بعد حصار استمر أكثر من 500 يوم، ما أسفر عن مقتل آلاف المدنيين ونزوح عشرات الآلاف في ظروف قاسية تعتبر الأسوأ في تاريخ الإقليم.
وأكدت مفوضية العون الإنساني السودانية أن أكثر من 2000 مدني، معظمهم من النساء والأطفال وكبار السن، قُتلوا خلال اليومين الماضيين نتيجة إعدامات ميدانية وهجمات على المستشفيات ومراكز الإيواء، في حين فُقد عدد من الأطباء والمتطوعين بعد اختطافهم من قبل الميليشيات التابعة لقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو.
وقالت مفوضة العون الإنساني بالإنابة منى نور الدائم حسن: “ما يحدث في الفاشر يفوق الوصف، ويشكّل جريمة ضد الإنسانية مكتملة الأركان”، مشيرة إلى أن المدنيين “يُستهدفون أثناء محاولتهم الفرار من المدينة”، وأن فرق الإغاثة “تُمنع من أداء واجبها”.
من جهتها، أعلنت منظمة الصحة العالمية أن المستشفى الوحيد الذي كان يعمل جزئياً في المدينة، تعرّض لهجوم مباشر، ما أدى إلى مقتل أفراد من الطاقم الطبي وتوقف الخدمات الصحية بالكامل.
وحذّرت المنظمة من تفشي سوء التغذية والأمراض الوبائية بين السكان المحاصرين، مؤكدة أن أكثر من نصف سكان السودان يعانون حالياً من انعدام الأمن الغذائي الحاد.
من ناحيتها، أكدت مسؤولة مكتب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في السودان جاكلين بارليفليت أن أكثر من 260 ألف مدني لا يزالون عالقين داخل الفاشر دون غذاء أو دواء أو ممرات آمنة، مشيرة إلى أن نحو 26 ألف شخص تمكنوا من النزوح خلال الأيام الأخيرة في ظروف محفوفة بالمخاطر.
كما طالبت منسقة الأمم المتحدة المقيمة ومنسقة الشؤون الإنسانية في السودان دينيس براون قوات الدعم السريع بالعمل على إيصال المساعدات الإغاثية، وتأمين وصول العاملين الإنسانيين إلى داخل المدينة.
ولفتت براون إلى أن الأمم المتحدة منخرطة بشكل كامل في حوار مع قوات الدعم السريع للوصول إلى مناطق مثل الفاشر، وكذلك كادوقلي في كردفان، مشيرةً إلى أن دعوات الأمين العام لتوفير ممر آمن للعاملين في المجال الإنساني لم تلق آذاناً صاغية.
يشار إلى أن قوات الدعم السريع أعلنت يوم الأحد الماضي سيطرتها الكاملة على مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور غرب السودان، وذلك بعد حصار استمر أكثر من عام.
ومع استمرار القتال وغياب أي مؤشرات لوقف إطلاق النار، يعيش ملايين السودانيين بين الخوف والجوع والنزوح، فيما تبقى الفاشر رمزاً لمعاناة دارفور المستمرة منذ عقدين، وجرس إنذار للعالم أمام كارثة إنسانية تتسع يوماً بعد يوم.