دمشق-سانا
تشهد أوروبا موجة واسعة من الإضرابات في عدة دول تهدد بتعطيل السفر والخدمات العامة، بينما تسعى الحكومات لتحقيق توازن بين مطالب العمال وضغوط الاقتصاد، حيث تصاعدت التحركات في البرتغال وفرنسا والمملكة المتحدة، وامتدت آثارها إلى إيطاليا وإسبانيا وبلجيكا، ما وضع القارة أمام اختبار اجتماعي حاد في ظل أزمات اقتصادية متزايدة.
البرتغال: أول إضراب عام منذ أكثر من عقد
دعت اتحادات العمال في البرتغال إلى إضراب عام رفضاً لمشروع إصلاحات في قانون العمل، معتبرة أنه يمس الحقوق ويمنح أصحاب العمل سلطة أكبر، في وقت أكد فيه رئيس الوزراء لويس مونتينيغرو أن الإصلاحات تهدف إلى تعزيز النمو وتحفيز الأجور، مع انفتاح على الحوار، لكن النقابات رأت أن القانون سيزيد هشاشة العمال ويضعف الأمان المهني.
وقد خرج عشرات الآلاف في الثامن من تشرين الثاني الفائت في العاصمة لشبونة مطالبين برفع الأجور، فيما اتهمت النقابات الحكومة بمحاباة الشركات الكبرى على حساب العمال ذوي الدخل المنخفض.
فرنسا: احتجاجات ضد سياسات الأجور والخدمات
وفي فرنسا، استمرت الإضرابات طوال الشهر الماضي وبداية الجاري، وشملت النقل العام والمدارس والهيئات الثقافية. وازدادت الأزمة مع إعلان موظفي متحف اللوفر عن إضراب احتجاجاً على ظروف العمل والأجور، ورفضاً لرفع أسعار دخول السياح دون تحسين أجور الموظفين.
النقابات العمالية وجهت رسالة لوزيرة الثقافة رشيدة داتي حول نقص الموظفين والأعطال التقنية، كما شهدت باريس ومدن كبرى إضرابات في السكك الحديدية والمترو بالتزامن مع مناقشة ميزانية 2026 التي وصفتها النقابات بأنها تقشفية تهدد الخدمات العامة وأصبحت الحياة اليومية أكثر صعوبة مع اقتراب موسم الأعياد.
المملكة المتحدة: إضرابات متسلسلة ومفاوضات متعثرة
في بريطانيا، تتواصل الإضرابات في النقل الجوي والسكك الحديدية والتعليم والصحة بعد فشل المفاوضات حول الأجور أدت إلى إلغاء رحلات جوية وتعطيل القطارات والمدارس، وبينما تطالب النقابات بزيادات تتناسب مع التضخم، تؤكد الحكومة أن الوضع المالي لا يسمح.
إيطاليا وإسبانيا وبلجيكا: رفض الميزانيات والتقشف
في إيطاليا، نظمت النقابات إضراباً عاماً ضد مشروع ميزانية 2026، معتبرة أنه غير عادل ولا يحسن الأجور، ما أدى إلى تعطيل النقل وإلغاء رحلات، أما إسبانيا، فشهدت احتجاجات واسعة وإضرابات متفرقة في النقل الجوي والسكك الحديدية، وربطت بعض النقابات ذلك بسياسات الإنفاق الخارجي التي تضغط على ميزانية الخدمات الاجتماعية.
أما النقابات في بلجيكا، فقد نفذت إضراباً عاماً في الـ 26 من الشهر الماضي احتجاجاً على إصلاحات حكومية تخص المعاشات وسن التقاعد والدعم الاجتماعي، ما أدى إلى شلل في النقل والقطاعات المختلفة حيث وصفت النقابات الميزانية بأنها انتكاسة للعمال وأكدت أن آثارها ستثقل كاهل الأسر المتضررة أصلاً من ارتفاع تكاليف المعيشة.
تداعيات اقتصادية واجتماعية
أدت الإضرابات إلى آثار اقتصادية ملموسة، إذ ألغيت مئات الرحلات الجوية الدولية وتراجعت كفاءة الخدمات في التعليم والصحة والمواصلات، كما تأثرت الأسواق المحلية باضطراب الشحن، ما زاد الضغط على الشركات الصغيرة والمتوسطة في فترة حرجة من العام.
من جهتها حذرت مؤسسات اقتصادية من أن استمرار الإضرابات قد يهدد التعافي الأوروبي في ظل التضخم وأسعار الطاقة غير المستقرة، فيما لوحت النقابات بالتصعيد إذا استمرت الحكومات في تجاهل المطالب.
أوروبا بين الإصلاح وحقوق العمال
وتشير تقارير صحفية أنه نتيجة للأوضاع المالية الصعبة التي تواجهها الحكومات الأوروبية وسط غضب شعبي متزايد تقف القارة الأوروبية أمام مفترق طرق اجتماعي معقد، حيث تسعى الحكومات لتمرير إصلاحات اقتصادية تراها ضرورية للاستقرار والنمو، بينما تؤكد موجة الإضرابات بأن معالجة الأزمات الاقتصادية لا يمكن أن تتم دون حوار اجتماعي، وأن استقرار القارة لن يتحقق إلا بموازنة دقيقة بين متطلبات السوق وحقوق العمال.