دمشق-سانا
شكّلت المعارك التي اندلعت في ريف إدلب الجنوبي وصولاً إلى تخوم مدينة حماة أحد أكثر الفصول حساسية في معركة “ردع العدوان” التي خاضها الثوار ضد قوات النظام البائد التي كانت تحاول يائسة استعادة توازنها بعد سلسلة هزائم متلاحقة، وكانت الشرارة الأولى قد انطلقت عقب تحرير مدينة حلب، الحدث الذي مثّل ضربة إستراتيجية قاصمة للنظام ومهّد لاحقاً للتحرير النهائي في دمشق وفرار رأس النظام إلى خارج البلاد.
ومع اتساع رقعة المواجهات، تحوّلت الجبهات الممتدة بين ريف إدلب الجنوبي وريف حماة الشمالي إلى خط صدام مفتوح بين إرادة التحرر الشعبية وبين آلة القمع التي استنزفت البلاد لسنوات طويلة.
من خان شيخون إلى كفر زيتا… الشرارة الأولى
بعد تحرير حلب وأريافها، اندفعت قوات “ردع العدوان” جنوباً، بالتزامن مع تصاعد القصف الجوي والمدفعي للنظام على بلدات خان شيخون والهبيط، ووفق مصدر ميداني، فقد رصدت قوات الثورة محاولات النظام البائد لإعادة تجميع قواته تمهيداً لهجوم مضاد، ما دفعها إلى اعتماد هجوم متواصل بالنفس الطويل لإحباط أي محاولة لاستعادة المبادرة.
أدركت غرفة العمليات أن النظام يسعى لفرض واقع جديد على الأرض، فاختارت فتح المعركة على النقاط الأكثر حساسية بالنسبة له، لضرب مراكزه الدفاعية وإرباك خططه.
تفكيك التحصينات… وتقدم مدروس
اعتمدت الفصائل تكتيكاً يقوم على تفكيك تحصينات النظام قبل التقدم البري عبر ضربات دقيقة استهدفت مرابض المدفعية والدشم ومستودعات الذخيرة في محاور تل النبي أيوب وتل هواش، هذا الأسلوب أربك تموضعات قوات النظام وسمح للثوار بالتقدم بثبات.
وبالتوازي، نفّذت قوات “العصائب الحمراء”—وهي وحدات نخبة متخصصة بالعمل خلف خطوط العدو—عمليات التفاف على محوري اللطامنة وكفرزيتا لقطع الإمدادات القادمة من معسكر جورين وشلّ غرفة عمليات النظام في سهل الغاب.
الريف الحموي الشمالي… عقدة المسار العسكري
مع انتقال المعارك إلى اللطامنة وكفرزيتا والصياد، ارتفع الضغط على قوات النظام التي حاولت استقدام تعزيزات كبيرة لمنع سقوط هذه المناطق الإستراتيجية التي تشكّل بوابة بين إدلب وحماة إلا أن الكثافة الهجومية للثوار والغزارة النارية أجبرت قوات النظام على التراجع نحو محيط بريديج شمالي حماة، في محاولة جديدة لإعادة تجميع صفوفها.
على مشارف حماة… مرحلة حساسة
وصول وحدات الثوار إلى نقاط قريبة من مدينة حماة خلق ضغطاً أمنياً وسياسياً كبيراً على النظام البائد، ورغم القصف الجوي المكثف، تمكن الثوار من تثبيت مواقعهم وإدارة خطوط اشتباك واسعة بإيقاع قتالي عالٍ، موقِعين خسائر فادحة في صفوف قوات النظام، في وقت كانت فيه معنويات الأخير تتهاوى بشكل غير مسبوق.
الدلالات الإستراتيجية للعملية
أسفرت هذه المعارك الممتدة من ريف إدلب الجنوبي إلى مشارف حماة عن نتائج مفصلية في إطار معركة “ردع العدوان”، أبرزها: إفشال محاولات النظام تثبيت خطوط دفاعه في محاور إدلب الجنوبية وإجباره على الانسحاب من نقاط تحصين مهمة في ريف حماة الشمالي، وإظهار قدرة الثوار على المبادرة رغم كثافة الغطاء الجوي ورمايات المدفعية الثقيلة، وإعادة رسم خطوط التماس بما يتوافق مع أهداف غرفة العمليات المشتركة.
ومن تلال إدلب الجنوبية حتى تخوم حماة، كتب الثوار فصلاً جديداً في مسار التحرير حيث تلاقت الخبرة الميدانية مع الإرادة الشعبية لتثبيت معادلة واضحة: “لا يمكن للنار أن تُطفئ رغبة السوريين في الحرية… ولا يمكن للقمع أن ينتصر على شعب قرر أن يقاوم”.