برلين-سانا
اختُتمت محادثات برلين بشأن الحرب الروسية الأوكرانية من دون الإعلان عن اتفاق نهائي، وسط تأكيد الأطراف على تحقيق تقدم جزئي واستمرار الخلافات حول ملفات أساسية.
ورغم غياب الاختراق الحاسم، أعادت هذه الجولة بعض الزخم إلى المسار الدبلوماسي المتعثر، في محاولة جديدة لصياغة إطار سياسي يقود إلى وقف إطلاق النار بعد نحو أربع سنوات من اندلاع الحرب.
فقد برزت مؤشرات على تقدم محدود في بعض القضايا، يقابله استمرار التعثر في ملفات جوهرية، أبرزها مصير الأراضي المتنازع عليها وطبيعة الضمانات الأمنية لأي تسوية محتملة.
تفاؤل حذر وضمانات
المستشار الألماني فريدريش ميرتس وصف المحادثات بأنها فتحت “فرصة حقيقية لعملية سلام”، مشيراً إلى أن العرض الأمريكي بتقديم ضمانات أمنية قانونية ومادية لأوكرانيا يمثل خطوة متقدمة مقارنة بالمبادرات السابقة، مؤكداً أن أي وقف لإطلاق النار يجب أن يستند إلى ضمانات قوية تضمن استمراره.
من جانبه، أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي تحقيق تقدم في ملف الضمانات الأمنية الأمريكية، مؤكداً أن التفاصيل التي اطّلع عليها “تبدو إيجابية”، مع التشديد على استعداد بلاده للعمل من أجل “حل عادل” يفضي إلى اتفاق سلام متين يمنع تكرار الحرب.
وتشير المعلومات إلى أن المقترحات الأمريكية تتضمن ضمانات أمنية مشابهة لتلك الواردة في المادة الخامسة من معاهدة حلف شمال الأطلسي، من دون أن تصل إلى حد العضوية الكاملة في الحلف، وهو طرح يلقى ترحيباً أوروبياً حذراً ويُنظر إليه كخيار مرحلي بديل عن الانضمام للناتو.
العقدة الأكبر: الأراضي
رغم الأجواء الإيجابية، برز ملف الأراضي كأكبر عقبة أمام التقدم، فقد أبلغ مفاوضون أمريكيون الجانب الأوكراني بضرورة بحث الانسحاب من أجزاء من منطقة دونيتسك شرق البلاد ضمن أي اتفاق لإنهاء الحرب، وهو ما قوبل بتحفظات واضحة من كييف.
زيلينسكي أقرّ بوجود تباين في المواقف مع واشنطن حول مسألة التنازل عن أراضٍ، واصفاً الملف بأنه “شائك ومعقد”، مؤكداً أن أي تسوية يجب أن تراعي سيادة أوكرانيا، وتحقق سلاماً عادلاً غير قابل للانتهاك.
في المقابل، شدد الكرملين على أن بقاء أوكرانيا خارج حلف شمال الأطلسي يمثل شرطاً أساسياً لأي تسوية محتملة، مشيراً إلى أن موسكو تنتظر إحاطة من واشنطن بنتائج محادثات برلين، من دون إعلان موقف رسمي من تفاصيل المقترحات المطروحة.
دعم مشروط
على المستوى الأوروبي، طرح قادة الاتحاد فكرة نشر قوة متعددة الجنسيات بقيادة أوروبية لدعم الاستقرار في أوكرانيا، إلى جانب ضمان استمرار دعم الجيش الأوكراني في حال التوصل إلى اتفاق سياسي.
كما عاد إلى الواجهة ملف الأصول الروسية المجمدة، إذ دعا زيلينسكي إلى استخدامها بالكامل لصالح بلاده، معتبراً أن توظيفها في الدفاع وإعادة الإعمار “عادل ومعقول”.
وبينما يحظى هذا الطرح بدعم بعض الدول الأوروبية، تتحفظ دول أخرى، بينها بلجيكا، بسبب تداعياته القانونية المحتملة، ما يعكس الانقسام الأوروبي حول آليات التمويل.
بين السياسة والميدان
يرى مراقبون أن الحراك الدبلوماسي الحالي يعكس إدراكاً متزايداً لدى الأطراف الدولية بصعوبة الحسم العسكري، مقابل قناعة بأن أي اتفاق سلام سيظل هشاً ما لم يُرفق بضمانات واضحة وآليات تنفيذ طويلة الأمد.
ورغم عدم تحقيق اختراق نهائي، اعتُبرت محادثات برلين من أكثر الجولات جدية منذ اندلاع أحد أطول النزاعات المسلحة في أوروبا المعاصرة، إذ أظهرت تقارباً نسبياً في بعض الملفات، فيما رُحّلت القضايا الأكثر حساسية إلى مراحل لاحقة من التفاوض.
ومع ترقب الاتصالات المقبلة بين واشنطن وموسكو، ونتائج القمة الأوروبية الخميس، يبقى مستقبل المسار التفاوضي رهناً بقدرة الأطراف على تجاوز عقدة الأراضي والضمانات، وتحويل التقدم الجزئي إلى اتفاق فعلي يضع حداً للحرب، أو على الأقل يفتح الباب أمام وقف إطلاق نار قابل للاستمرار.