دمشق-سانا
مع تفاقم أزمة الجفاف وتراجع المساحات الخضراء في مناطق مختلفة من العالم، نتيجة ندرة المياه وشح الأمطار الناجمين عن التغيرات المناخية المرتبطة بالنشاط البشري، اتجهت العديد من الدول إلى البحث عن حلول غير تقليدية لمواجهة هذه التحديات، ومن أبرز هذه الحلول تقنية استمطار السحب أو ما يُعرف بـ “التلقيح السحابي”، التي تقوم على تحفيز الغيوم لتسريع عملية هطول الأمطار.
تزايد عدد سكان العالم والاستهلاك غير المنظم للمياه، أدى إلى انخفاض الموارد المائية بشكل خطير، ما دفع العلماء إلى البحث عن طرق علمية مبتكرة لزيادة معدلات الهطول في المناطق التي تعاني من شح المياه، ومن هنا برزت الحاجة إلى تقنية الاستمطار كوسيلة لزيادة كمية ونوعية الأمطار، وتلبية الاحتياجات المائية، وتحفيز عملية الهطول في مناطق محددة، إضافة إلى تعزيز المخزون المائي في السدود والخزانات الجوفية.
فوائد بيئية متعددة
يرى خبراء البيئة أن الاستمطار يمكن أن يسهم في التعامل مع البيئات الجافة، وزيادة كثافة الغطاء النباتي، والحد من العواصف الترابية، وتقليل أضرار البرد، وإخماد حرائق الغابات، فضلاً عن إعادة ملء السدود وزيادة مخزون المياه الجوفية لاستخدامها مستقبلاً.
وتعود أولى التجارب الناجحة في هذا المجال إلى عامي 1946 و1947، حين تمكن الباحثان “فونيغت” و”شايفر” من إجراء عملية استمطار باستخدام مركبات مثل يوديد الفضة ويوديد الرصاص، ومنذ ذلك الحين توسعت الأبحاث في هذا المجال، لتصبح تقنية الاستمطار أداة رئيسية في مواجهة الجفاف.
دول رائدة في الاستمطار
أستراليا والولايات المتحدة كانتا من أوائل الدول التي اعتمدت هذه التقنية، واليوم تطبق أكثر من 40 دولة حول العالم برامج استمطار، من بينها الصين وروسيا وتايلاند والهند، وقد استخدمت الصين الاستمطار عام 2008 للتحكم بالطقس، بينما لجأت الهند إليه للحد من تلوث الهواء وتقليل الضباب الدخاني، إضافة إلى استخدامه في فترات الجفاف بين عامي 1983 و1994.
أما في العالم العربي، فتُعد الإمارات والأردن والسعودية والمغرب وعُمان من أبرز الدول التي اعتمدت هذه التقنية، حيث بدأت الإمارات منذ عام 2010 بتنفيذ برامج استمطار، وأطلقت مؤخراً مشروعاً دولياً لأبحاث علوم الاستمطار لتعزيز معدلات الهطول في المناطق الجافة.
آلية عمل التقنية
تتم عملية الاستمطار عبر رش مواد كيميائية مثل يوديد الفضة أو الثلج الجاف أو أملاح معينة داخل السحب باستخدام طائرات أو صواريخ خاصة، وتقوم الطائرات المجهزة بإطلاق هذه المواد نحو السحب الركامية الغنية بالبخار، ما يؤدي إلى تغيير العمليات الفيزيائية الدقيقة داخل السحابة، وتشكيل بلورات ثلجية تتحول بفعل حرارة الجو إلى قطرات مطرية تهطل في النهاية على الأرض.
التكلفة والجدوى
رحلات الاستمطار التي تستغرق ساعات تكلف آلاف الدولارات، وقد تصل ميزانية المشاريع السنوية لتغطية منطقة محدودة إلى ملايين الدولارات، بحسب حجم المشروع والتقنيات المستخدمة، ويؤكد خبراء أن الاستمطار يمكن أن يزيد من هطول الأمطار بنسبة تصل إلى 4%، ما يرفع المحاصيل الزراعية بنسبة تصل إلى 20%، ومع ذلك تبقى هذه التقنية حلاً مؤقتاً لا يمكن الاعتماد عليه بشكل كامل.
المخاوف والانتقادات
رغم الفوائد، هناك مخاوف من آثار جانبية محتملة، مثل ارتفاع نسبة المواد الكيميائية في الهواء، أو هطول أمطار غزيرة في مناطق غير معتادة، ما قد يؤدي إلى فيضانات أو تدهور التربة، كما أن الهندسة المناخية قد تُحدث تغييرات غير متوقعة في الرطوبة النسبية، مسببة حالات جفاف في مناطق جديدة أو عواصف شديدة، حيث يشير خبراء إلى أن تغير المناخ قد يزيد من الظواهر الجوية مثل العواصف والبرق والبرد وحتى الأعاصير.
أزمة المياه العالمية
تقارير الأمم المتحدة تشير إلى أن المياه العذبة لا تتجاوز 2.5% من إجمالي المياه على الأرض، معظمها في شكل أنهار ومسطحات جليدية، ووفقاً لليونيسف، يعيش 2.3 مليار شخص تحت تهديد شح المياه، بينهم 733 مليوناً في مناطق تعاني أصلاً من الجفاف، وخلال السنوات الثلاث الماضية، أعلنت أكثر من 30 دولة حالات طوارئ بسبب الجفاف، من الهند والصين إلى الولايات المتحدة وكندا وإسبانيا وجنوب إفريقيا، وفي قمة المناخ الأخيرة بالبرازيل (Cop30)، وُصفت أزمة المياه بأنها أحد أكبر التهديدات المستقبلية للبشرية.