دمشق-سانا
في تصعيد جديد ضمن المواجهة الاقتصادية بين أكبر قوتين في العالم، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فرض رسوم جمركية إضافية بنسبة 100% على الواردات الصينية إلى جانب قيود صارمة على تصدير البرمجيات الإستراتيجية إلى بكين، اعتباراً من الأول من تشرين الثاني المقبل.
وتضاف الرسوم الجديدة إلى التعريفات الجمركية الحالية البالغة 30% ما يثير مخاوف من تداعيات واسعة على الأسواق العالمية، وسلاسل الإمداد، وآفاق النمو الاقتصادي.
وتأتي هذه الخطوة بعد أيام من قرار صيني أثار غضب واشنطن تمثل في فرض قيود على تصدير المعادن النادرة التي تُعدّ حجر الأساس لصناعات التكنولوجيا المتقدمة.
شدّ الحبل يتواصل
المفاوضات التي كانت مقررة بين الرئيسين ترامب وشي جين بينغ في كوريا الجنوبية توقفت، بعدما أعلن ترامب إلغاء اللقاء المرتقب، معتبراً أن “الوقت غير مناسب للحوار”.
وجاء ذلك عقب توسيع وزارة التجارة الصينية ضوابط التصدير لتشمل أي منتج يحتوي على أكثر من 0.1% من المعادن النادرة، ما يهدد الإمدادات الحيوية للرقائق الإلكترونية، ومحركات السيارات الكهربائية، وتوربينات الرياح، ورداً على ذلك، فرضت واشنطن رسوماً إضافية على السفن الصينية في موانئها، لترد بكين بالمثل، ليستمر التصعيد بين القوتين الاقتصاديتين.
الذهب يلمع والنفط يتهاوى
انعكست قرارات ترامب سريعاً على الأسواق حيث سجلت مؤشرات الأسهم الأمريكية تراجعات حادة: داو جونز انخفض بنسبة 1.9%، وستاندرد آند بورز بـ2.7 %، بينما هبط ناسداك بأكثر من 3.6%.
في المقابل، قفز الذهب إلى مستويات قياسية، إذ أغلقت العقود الآجلة عند 4030 دولاراً للأوقية بارتفاع 1.45% وبلغت العقود الفورية 4012 دولاراً بزيادة 0.90% مستفيدة من التحول السريع في شهية المخاطرة، ليؤكد الذهب مجدداً مكانته كـ”ملاذ آمن في زمن الأزمات”.
أما النفط الخام فقد تكبّد خسائر تجاوزت 4% وسط توقعات بانخفاض الطلب العالمي نتيجة تصاعد التوترات التجارية وتراجع الثقة في النمو الصناعي.
ويرى خبراء أن هذا التباين يعكس تحولاً حاداً في المزاج الاستثماري العالمي، وانتقال رؤوس الأموال نحو الأصول الدفاعية، مشيرين إلى أن الرسوم الجديدة تستهدف البرمجيات والمنتجات المتقدمة التي تمثل جوهر المنافسة بين واشنطن وبكين.
اضطرابات سلاسل التوريد
ويحذر خبراء الاقتصاد من أن استمرار التوتر قد يعيد مشهد اضطرابات سلاسل التوريد العالمية، كما حدث في حرب التعريفات عامي 2018 و2019 حين ارتفعت تكاليف الإنتاج وتباطأ النمو الصناعي في آسيا وأوروبا وأمريكا الشمالية.
بين المطرقة والسندان
لم تتوقف أصداء القرار الأمريكي عند حدود واشنطن وبكين، إذ تتزايد المخاوف في العواصم العالمية من موجة جديدة من الانقسام التجاري قد تعيد رسم ملامح النظام الاقتصادي العالمي، حيث تترقب الأسواق الناشئة مدى تأثر صادراتها وموازناتها في حال تباطؤ الطلب العالمي، وسط إدراك بأن ما يحدث اليوم سيحدد خريطة الاقتصاد العالمي للعقد المقبل.
أوروبا في قلب العاصفة
في القارة الأوروبية، لم يمر التصعيد الأمريكي – الصيني مرور الكرام، إذ وجدت أوروبا نفسها مجدداً في قلب الأزمة، لكونها شريكاً تجارياً رئيسياً للطرفين، وتعتمد بشكل كبير على سلاسل توريد آسيوية معقّدة.
ففي 19 أيار الماضي، خفّضت المفوضية الأوروبية توقعاتها لنمو اقتصاد منطقة اليورو لعام 2025 إلى 0.9% مقارنة بتوقعات سابقة بلغت 1.3% نتيجة ضعف التجارة العالمية وتزايد حالة عدم اليقين.
وأشار تقرير المفوضية إلى أن أي تصعيد جديد في الرسوم قد يضر بقطاع الصناعات التحويلية، وخاصة في ألمانيا وفرنسا وإيطاليا، التي تعتمد مصانعها على المكونات الصينية لتجميع السيارات والإلكترونيات.
كما تخشى الشركات الأوروبية من تحول النزاع إلى حرب تكنولوجية مفتوحة، قد تُجبرها على الانحياز لأحد المعسكرين فيما يتعلق بالبرمجيات والبنية التحتية الرقمية.
بين التصعيد والاحتواء
حتى الآن، تبقى جميع السيناريوهات مطروحة: من تصعيد متبادل قد يؤدي إلى موجة تضخم عالمية وتباطؤ في النمو، إلى احتمال العودة لطاولة المفاوضات عبر وساطات آسيوية وأوروبية تسعى لاحتواء الأزمة.
ويجمع خبراء الاقتصاد الدولي على أن “لا رابح في الحروب التجارية” وأن استمرارها سيؤدي إلى تآكل المكاسب المشتركة وإعادة تشكيل سلاسل القيمة العالمية بطريقة مؤلمة للجميع.
العالم يترقب تشرين الثاني
بين الرسوم الأمريكية البالغة 100% والقيود الصينية المضادة، يقف الاقتصاد العالمي أمام اختبار حقيقي لقدرته على الصمود في وجه واحدة من أعقد المواجهات الاقتصادية في العصر الحديث، الأسواق في حالة ترقب، المستثمرون في حالة حذر، والعالم ينتظر تشرين الثاني الذي قد يشهد تحولاً في مسار التنافس أو بداية فصل جديد من الحرب التجارية الكبرى.