دمشق-سانا
في خطوة تاريخية تعكس تحوّلاً في المواقف الدولية، أعلن ثلثا أعضاء الأمم المتحدة وغالبية دول الاتحاد الأوروبي اعترافهم الرسمي بدولة فلسطين، ليرتفع عدد الدول المعترفة إلى 159 من أصل 193 عضواً، بما يمثل أكثر من 75 بالمئة من المجتمع الدولي، وسط ترقب لمزيد من الاعترافات في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي الوحشي على قطاع غزة.
وجاءت هذه الاعترافات المتتالية من دول بارزة بينها بريطانيا وكندا وأستراليا والبرتغال، تلتها لوكسمبورغ وبلجيكا وأندورا وفرنسا ومالطا وموناكو، بينما أعلنت جمهورية سان مارينو اعترافها خلال مؤتمر “حل الدولتين” الذي انعقد في نيويورك بمبادرة سعودية وفرنسية، بمشاركة عشرات من زعماء العالم.
المؤتمر الذي استضافته الجمعية العامة للأمم المتحدة، جاء عقب اعتماد “إعلان نيويورك” بأغلبية ساحقة، محدداً خطوات ملموسة نحو تنفيذ حل الدولتين، وسط رفض حكومة الاحتلال الإسرائيلي لفكرة الدولة الفلسطينية، رغم تصاعد الدعوات الدولية.
الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش شدد خلال المؤتمر على أن “الدولة الفلسطينية حق وليست مكافأة”، داعياً إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة، ومندداً بالعقاب الجماعي الذي تمارسه “إسرائيل” بحق الشعب الفلسطيني.
رئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا أكد أن غالبية دول الاتحاد الأوروبي باتت تعترف رسمياً بدولة فلسطين، بينما أعلنت رئيسة السياسة الخارجية في الاتحاد كايا كالاس أن “حل الدولتين هو خطة السلام الوحيدة”، مشيرة إلى إنشاء مجموعة مانحين وآلية لإعادة إعمار غزة.
المفوضة الأوروبية لإدارة الأزمات حاجة لحبيب دعت إلى تجاوز الرمزية في الاعتراف، مؤكدة الحاجة الملحة للمساعدات الإنسانية واحترام القانون الدولي، بينما طالب رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز بمنح فلسطين عضوية كاملة في الأمم المتحدة، معتبراً أن المؤتمر يمثل بداية الطريق نحو العدالة.
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان انتقد سياسات حكومة الاحتلال التي تسعى إلى منع قيام دولة فلسطينية، بينما دعا وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان الدول إلى اتخاذ هذه الخطوة التاريخية، مؤكداً أن تنفيذ حل الدولتين هو السبيل الوحيد للسلام.
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون شدد على أن “لا شيء يبرر الحرب المستمرة في غزة”، في وقت تتصاعد فيه الضغوط على القوى الغربية للاعتراف بفلسطين، نتيجة الجرائم الإسرائيلية التي أودت بحياة عشرات آلاف الفلسطينيين، وتسببت بتدهور إنساني ومجاعة في القطاع.
ورغم هذا الزخم الدولي، لا تزال الولايات المتحدة وألمانيا، الحليفتان الرئيسيتان لـ “إسرائيل”، ترفضان الاعتراف بدولة فلسطين، وسط انتقادات متزايدة لموقفهما، بينما يرى مؤيدو حل الدولتين أن غياب الدولة الفلسطينية يضع “إسرائيل” أمام خيارين: استمرار الاحتلال أو دولة ثنائية القومية.
وتحظى فلسطين حالياً بصفة مراقب في الأمم المتحدة، في ظل عرقلة أمريكية لمنحها العضوية الكاملة، رغم أن الاعتراف بها بدأ منذ إعلان المجلس الوطني الفلسطيني قيام الدولة عام 1988، وتوالت الاعترافات في التسعينيات، وصولاً إلى موجة جديدة عام 2024 شملت دولاً أوروبية وكاريبية.
وفي تموز الماضي، أعلنت 15 دولة نيتها الاعتراف بفلسطين، بينما تعترف بها دول أعضاء عدة في “الناتو” ومجموعة العشرين، بينها السعودية، الصين، البرازيل، روسيا، تركيا، جنوب أفريقيا، والنرويج.
حكومة الاحتلال وحليفتها الولايات المتحدة انتقدتا سلسلة الاعترافات الجديدة، ورفض رئيس حكومة الاحتلال، المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية بتهم جرائم حرب، الاعتراف بفلسطين، مهدداً بتوسيع الاستيطان في الضفة الغربية، بينما انتقد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هذه الدعوات، لتبقى الولايات المتحدة الدولة الوحيدة من بين الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن التي لا تعترف بفلسطين.