دمشق-سانا
لعبت المرأة السورية دوراً محورياً خلال سنوات الثورة على النظام البائد الذي أنهك البلاد لأعوام طويلة، حاملة شعلة التغيير، فشاركت في المظاهرات رفضاً للظلم، وبلسمت جراح المرضى والمصابين في المشافي الميدانية، وحولت خيم النزوح إلى مدارس، لتسجد كل معاني التضحية والصمود في زمن الحرب، ولتكمل دورها كناشطة مجتمع مدني ساهمت في صياغة هوية سوريا الجديدة.
من خيمة تعليم إلى قيادة العمل الاجتماعي في إدلب
أحلام الرشيد، مهجّرة من بلدة حاس في ريف معرة النعمان، كرست حياتها لخدمة الأطفال والنساء والشباب المهجرين خلال سنوات الثورة، لتصبح واحدة من أبرز رموز العمل المدني في مدينة إدلب، لتتولى اليوم إدارة مديرية الشؤون الاجتماعية.
الرشيد أوضحت في تصريحها لسانا، أنها عملت في البداية على منح الأطفال فرصة للتعلّم رغم ظروف الحرب والنزوح والحرمان، قائلة: “في مخيم أطمة، وتحت ظلّ شجرة زيتون، حولت خيمتي لصف تعليم للأطفال الذين فقدوا مدارسهم، وحصلت على الأدوات التعليمية من إحدى المدارس التي نجت من القصف”.
وتابعت الرشيد حديثها: “البعض في البداية ضحك على فكرة مدرسة في خيمة”، لكن المشهد تغيّر سريعاً.. ثلاثة أطفال أصبحوا ستين، والنساء التحقن بحلقات التعليم، وتحوّل المكان إلى فضاء للنقاش والتوعية والدعم النفسي، لنواصل مشروعنا في إعادة بناء الإنسان قبل المكان.
عطاء المعلمة الرشيد لم يتوقف عند حدود المخيم؛ بل انتقل إلى المنظمات الدولية، لتعمل بخبرتها في استقبال العوائل النازحة ومرافقة النساء والأطفال في المستشفيات ومراكز الإيواء، ولتكون أحد الشاهدين على أصعب فصول التهجير السوري القسري.
ونتيجة لعملها على مكافحة التسرب المدرسي، ودعم الناجيات، وتمكين النساء، حصلت أحلام على جوائز دولية، بينها وجودها ضمن قائمة أكثر 100 امرأة تأثيراً في العالم عام 2018 والوسام الذهبي لصنّاع التغيير، ثم في عام 2021 ساهمت ببناء مدرسة خاصة في منطقة أطمة، تفتح أبوابها لأبناء الشهداء والمعتقلين غير القادرين على متابعة تعليمهم جراء الظروف المادية الصعبة.
صوت مدني واجه القمع بالكلمة والصورة
شاركت الناشطة ساشا أيوب بالمظاهرات منذ الأيام الأولى للثورة السورية، حاملة رسالة رفض للعنف ضمن حراك مدني سلمي، مؤكدة أن رسالتها كانت أن التغيير الحقيقي لا يُبنَى بالسلاح بل بالوعي والضمير، وإثبات أن الصوت المدني قادر على الصمود أمام الخوف.
وتستذكر أيوب الشعارات التي أطلقوها هي وزملاؤها خلال السنوات الأولى للثورة، حيث خطوا أفكارهم التي تدعو للحرية والكرامة ورفض الظلم على الجدران، ووزعوا المنشورات، وألقوا الكرات الملونة على عدة أحياء بدمشق، قائلة:” خرجنا لإيماننا بقوة الكلمة”.
اُعتقلت أيوب خلال مظاهرة المثقفين بدمشق عام 2011، حيث احتُجزت مع مجموعة من الفنانين والكتاب والناشطين، وتعرّضوا آنذاك للعنف والترهيب، لكن إرادتهم وحبّهم للحرية كانت منارة لكل من ينادي بالسلام، مشيرة إلى أن مجال عملها الآن كمدير تنفيذي في مؤسسة “ستوريز فيلم” بدمشق لصناعة الوثائقيات أتاح لها الفرصة لإيصال صوت المجتمع بكل التفاصيل التي مرت بها.
ورغم ما واجهته من تضييق واعتقال، ظلت أيوب تسير في الطريق الذي رسمته، مؤمنة بالعمل المدني اللاعنفي وبقوة الكلمة والصورة والمبادرة الجماعية، واليوم تواصل نضالها حسب وصفها لتحقيق السلم الأهلي، مستندة إلى الطاقات والخبرات المتراكمة من التجارب الإنسانية، والتي شكلت دعامة أساسية لدفع هذا الملف قدماً في سوريا.
ممرضة ميدانية حملت وجع عائلتها لتداوي جراح الآخرين
لم تكن آلاء الشامي مجرد فتاة سورية تركت دراستها بسبب الحرب، بل كانت نموذجاً لامرأة وجدت نفسها في قلب الثورة، فاختارت أن تكون جزءاً من القوة التي تساند من حولها، وتحمل أعباء مضاعفة فتقف إلى جانب عائلتها، لتقدّم مثالاً حيّاً على صمود المرأة السورية وقدرتها على حمل أثقال تفوق العمر والظروف.
وأوضحت الشامي أن عملها ضمن مشفى ميداني في منطقة القابون بدمشق، أتى بعد خروج والدها من المعتقل عام 2013، وحاجته الماسة للعلاج، وعدم قبول عدة جهات باستقباله بسبب خلفية اعتقاله، فقررت المساعدة في هذا المجال، قائلة: “اعتقلوا وعذبوا أبي بتهمة مساعدة الثوار ثم خرج يحتاج العلاج، ولم نجد من يساعدنا، فاتخذت قراري بمساعدة الجميع”.
ولفتت الشامي إلى أن إخوتُها الخمسة التحقوا بصفوف الثوار منذ الأيام الأولى، وتعرض أخوها الأكبر علاء للاعتقال لأربع سنوات عقب انشقاقه عن جيش النظام البائد، بينما استشهد أخوها عبد الرحيم عام 2017 خلال مشاركته مع الثوار بمعركة الغوطة، دون أن تتمكن العائلة من استلام جثمانه، أما نذير، فعانى إصابة خطيرة جراء قصف على الغوطة بصاروخ عنقودي عام 2016، وكان لا يتجاوز الخامسة عشرة من عمره.
وبالرغم من التهجير القسري من القابون إلى الشمال السوري عام 2017، لم تتخلَّ آلاء عن دورها الإنساني، بل واصلت رسالتها في رعاية الأيتام، موظفة خبرتها الطبية بذلك، وقالت: ” أرى في كل طفل فقد عائلته امتداداً لمعاناة عشتها، وهذا ما يزيدني إصراراً على المضي قدماً في مساعدتهم، كونهم أملنا في سوريا”.
لم تكن مشاركة المرأة السورية في الثورة حدثاً طارئاً أو دوراً عابراً، بل كانت امتداداً لتاريخ طويل من الحضور في قلب المجتمع وصناعة حضارته، ومع اندلاع الحرب وما حملته من نزوح واعتقال وقصف، تقدّمت النساء الصفوف، لا بدافع البطولة وحدها، بل بحسّ المسؤولية تجاه عائلاتهن ومجتمعهن، لتكمل دورها بعد الانتصار في بناء سوريا التي يحلم بها أبناؤها.