دمشق-سانا
في الذكرى السنوية الأولى لتحرير سوريا، يستعيد السوريون وجوهاً رافقت الثورة بفنها وصدقها، ومن بين هذه الوجوه، تحضر روح الفنانة الثائرة فدوى سليمان، التي كانت صوتاً للحق والكرامة.
في هذا الحوار مع وكالة سانا، يعود الموسيقي محمد عزاوي، زوجها ورفيق دربها ووالد ابنها “الورد”، إلى حكاية جمعتهما، تبدأ بالفن وتتسع لتصبح جزءاً من قصة الوطن.
لقاء الفن: بداية الحكاية
يروي عزاوي لقاءهما الأول عام 1992 قائلاً: “منذ اللحظة الأولى، لمست قياديتها وتمسّكها بمبادئها، كانت تحمل داخلها ناراً ضد الظلم، وهذا ما جذبني إليها”، ويضيف: إن رفضها للاستبداد بدأ منذ طفولتها، ومع مرور الوقت ازداد إصرارها على التغيير.
صوت الحرية
مع انطلاق الثورة السورية في آذار 2011، تحوّلت قناعات فدوى إلى فعل، حيث يقول عزاوي: “شاركت فدوى وزملاؤها في الحراك الشعبي الذي أصبح ثورة عارمة، واختارت الكلمة والصرخة الحرة سلاحاً، وكانت تقف إلى جانب المظلومين، وتحمل أملاً بأن يعيش السوريون بسلام وعدالة”.
الوداع المؤجل: شال الورد ووعد الحرية
من أكثر ذكرياته قسوة، وداعها عام 2012، حين غادرت حمص متنكرة هرباً من ملاحقة النظام البائد، وفي هذا الصدد يقول عزاوي: “عندما ودعتنا، ألبست الورد شالها الذي كانت ترتديه في المظاهرات، كان يحمل رائحتها وروحها، حلفت يومها ألا يُغسل، وأن يرقص الورد به يوماً في ساحة الأمويين احتفالاً بالحرية”.
الفن جسر اللقاء
ورغم المسافة وانفصالهما، استمرت الصلة عبر الموسيقى، ويقول عزاوي: “كنا نتحدث عبر تطبيق السكايب، لدي تسجيلات ثمينة من تلك الفترة، هي في فرنسا ونحن في دمشق، كنا نعزف معاً، ويغني ابننا الورد معها أغاني لفيروز، بينما أرافقهما على الغيتار”.
ويستعيد عزاوي لحظة مؤثرة حين غصّ صوتها بالبكاء وهي تغني: “يا وطني بضلك طفل زغير”، فقد كان الوطن حاضراً في صوتها كما في قلبها.
الرحيل: رسالة أنهت الطريق
عزاوي الذي أوقفته أجهزة أمن النظام البائد ثلاث مرات بسبب فدوى، يستذكر بحزن رحلته عام 2017 مع ابنه إلى لبنان للحصول على تأشيرة لرؤيتها، حيث يقول: “بعد انتهاء الإجراءات في السفارة، وبينما أسلّم جوازات السفر، وصلني خبر وفاتها، حاولت حبس دموعي كي لا يراها الورد، وعندما أخبرت الموظفة بأننا مسافرون لرؤية أمّه، انهمرت دموعها هي أيضاً، لم يعد للسفر معنى بعدها”.
الإرث الخالد: الموسيقى تكمل ما بدأته
على الرغم من الألم، يؤكد عزاوي أن حضور فدوى ثابت في موسيقاه، فقد ألّف لها قطعة بعنوان (وحيدة) عندما أخبرته بأنها تشعر بالوحدة، ويقول: “اكتملت القطعة في أيامها الأخيرة، وعُزفت لأول مرة في فرنسا على يد أوركسترا المغتربين”.
ويختم حديثه قائلًا: “فدوى موجودة في كل لحن أكتبه، حلمها كان واضحاً، عدالة حقيقية، وعيش مشترك وأرض بلا دماء بريئة، هذا ما انتصرت من أجله ثورتنا، وهذا ما سنمضي لتحقيقه”.
نبذة عن الراحلة
فدوى سليمان (1970–2017) ممثلة سورية تحوّلت مع انطلاق الثورة إلى واحدة من أبرز رموزها السلمية، وقفت في مظاهرات حمص إلى جانب المتظاهرين، مقدّمة نموذجاً وطنياً لوحدة السوريين في مواجهة محاولات النظام البائد لزرع الانقسام، لاحقتها أجهزة أمن النظام البائد واضطرت لمغادرة البلاد، لكنها واصلت نشاطها من فرنسا عبر الفن والكلمة الحرة، عرفت بمواقفها الأخلاقية الصلبة ورفضها الظلم، لتصبح رمزاً ثورياً مؤثراً، رحلت عام 2017، وبقي حضورها حيّاً في ذاكرة السوريين.