دمشق-سانا
استعرضت الندوة الحوارية التي حملت عنوان “التهجير والشتات السوري” التي تقام ضمن فعاليات اليوم الثاني من ملتقى الحكاية السورية الذي تنظمه وزارة الثقافة السورية على مدرج المكتبة الوطنية بدمشق، فصول الشتات ومراحل ومعاناة السوريين منذ بدء الثورة السورية وحتى الانتصار.
المشاركون في الندوة اعتبروا أن ملتقى الحكاية السورية، ليس مجرد جلسة نقاش، بل محاولة جريئة لالتقاط خيوط الحكاية من بين الركام، وإعادة نسجها بلغة من عاشها، لا من قرأ عنها وعرضها كحالة إنسانية وسياسية واجتماعية، حملها السوريون في حقائبهم، وكتبوا بها فصولاً من الصمود والبحث عن المعنى.
“العودة الآمنة والكريمة”

وزير الطوارئ وإدارة الكوارث رائد الصالح أكد في تصريح لمراسلة سانا أن “الشتات السوري ليس فقط مأساة إنسانية، بل فرصة وطنية لإعادة البناء والاستفادة من الطاقات السورية المنتشرة حول العالم”، موضحاً أن رؤية الوزارة تنطلق من توجهات الدولة في تأمين العودة الآمنة والكريمة، وإعادة ترميم البنية التحتية، وتفعيل مشاركة السوريين في الخارج في عملية التعافي الوطني.
وقال الصالح: إن “الحكاية السورية هي حكاية بطولة وأمل، وستخلّدها كتب التاريخ لأنها كُتبت بتكاتف السوريين وصمودهم”.
“النزوح امتداد لسياسات القمع”

وخلال مشاركته في الندوة، رأى الصالح أن أزمة النزوح السوري الممتدة لأكثر من 14 عاماً هي امتداد لسياسات القمع والتهجير التي عاشها السوريون منذ عقود، مشيراً إلى أن الشعب السوري واجه أكبر موجة نزوح ولجوء في العالم نتيجة الحرب على المدنيين وتدمير المدن والبنى التحتية.
وأوضح الوزير الصالح أن الملف الإنساني للنازحين واللاجئين يحتل أولوية في عمل الحكومة، والخطط الحالية تركز على إعادة تأهيل البنى التحتية، وإزالة الألغام ومخلفات الحرب التي تهدد حياة أكثر من 75 بالمئة من السكان، ما يجعلها “مشكلة وطنية ذات بعد إنساني واقتصادي وأمني”.
وكشف الصالح أن الحكومة أطلقت خطة شاملة للتعامل مع الألغام بالتعاون مع الوزارات والمنظمات المحلية، تشمل إنشاء مركز وطني لمكافحة الألغام، لتنسيق عمليات الإزالة والتوعية، مبيناً أن “العودة الآمنة لا يمكن أن تتحقق دون معالجة الخطر الصامت للألغام”.
“تعديل القوانين العمرانية”
وفي رده على مداخلات الحضور حول القوانين العمرانية والبيروقراطية التي تعيق عودة المهجرين، قال الوزير الصالح: إن الحكومة تعمل على تعديل التشريعات العمرانية القديمة التي وصفها بـ”المجازر العمرانية”، موضحاً أن “مجلس الشعب القادم سيناقش حزمة قوانين جديدة لتسهيل عمليات البناء والإسكان وفق معايير الأمن والسلامة، بما في ذلك حماية المباني من الزلازل وتنظيم عملية الإعمار على أسس حديثة”.
“الثورة انتصرت بسرديتها”

الباحث يمان زباد من المركز العربي لدراسة سوريا المعاصرة، بيّن أن الحكاية السورية تمثل جهداً توثيقياً مستمراً لتأكيد ما جرى في سوريا منذ انقلاب عام 1963 وحتى اليوم، مشيراً إلى أن الثورة السورية انتصرت بسرديتها، رغم محاولات النظام توثيق سردية مضادة عبر مؤسساته الإعلامية والعسكرية وحلفائه.
وأوضح زباد أن التهجير والشتات كانا من أبرز أدوات النظام في ضرب الحواضن الشعبية للثورة، ولم يكتف بالقتل أو تدمير المدن، بل عمد إلى تهجير مئات آلاف السوريين داخلياً وخارجياً، ما يستدعي من المجتمع المدني ووزارة الثقافة مسؤولية مضاعفة في توثيق هذه الرواية وصناعة سردية وطنية تحفظ الذاكرة وتخاطب الأجيال القادمة.

وختم زباد بالقول: “توثيق ما فعله النظام ليس فقط لحماية الذاكرة، بل لحماية الأجيال القادمة من تكرار تجربة الاستبداد والتهجير، ومن أجل بناء مستقبل لا يُقصى فيه الإنسان ولا تُمحى فيه الحقيقة”.
ويهدف الملتقى الذي يقام على مدار ثلاثة أيام بمشاركة وزراء وخبراء وباحثين إلى تسليط الضوء على التهجير كأداة ممنهجة استخدمها النظام لإعادة تشكيل الحواضن المجتمعية، وعلى الشتات كمساحة مقاومة وإنتاج سردية بديلة، تتجاوز الرواية الرسمية وتعيد الاعتبار للقصص الفردية والجماعية التي كُتبت بالدم والصبر.





