دمشق-سانا
تُعد السينما الوثائقية نافذةً على الذاكرة والوجع الإنساني، خاصة حين تتناول قضايا مصيرية مثل المعتقلين والمغيبين قسرياً، ومن بين الأصوات السينمائية التي برزت في هذا المجال المخرجة الشابة ياسمين فضة، التي سخّرت كاميرتها لتوثيق الثورة السورية وما حملته من آلام وآمال.
ولدت ياسمين وهي من أصول فلسطينية في الكويت ثم انتقلت للعيش في سوريا، وبدأ شغفها بالسينما عام 2004، لتترك بصمة مميزة في أفلام وثائقية ارتبطت مباشرة بأبطالها وواقعهم، كما لم تتردد في السفر إلى مناطق الخطر لتوثيق الأحداث من قلبها، ومن أبرز أعمالها خلال الثورة السورية:
- ملكات سوريا (2014) – حاز على جائزة اللؤلؤة السوداء كأفضل إخراج عربي في مهرجان أبو ظبي السينمائي، وتنويه خاص من المفوضية السامية لشؤون اللاجئين.
- عيوني (2020) – استغرق إنتاجه خمس سنوات، وحصد اهتماماً واسعاً لطرحه قضية الاختفاء القسري من خلال شخصيتي الأب باولو دالوليو، والشاب باسل الصفدي.
فيلم “عيوني” الحلم الذي أصبح واقعاً
تقول ياسمين فضة خلال حديثها لمراسلة سانا: “لم أتخيل يوماً أن يُعرض فيلمي في سوريا نفسها، فبعد أن جال العالم، تحقق حلمي عندما شاهد الجمهور السوري فيلم “عيوني” في أماكن عامة، مثل بيت فارحي والمتحف الوطني بدمشق، كان ذلك لحظة مؤثرة جمعت بين الإبداع والواقع، وبين ذاكرة الثورة ووجدان الناس”.
الوثائقي والذاكرة السورية
ترى ياسمين أن الأفلام الوثائقية لعبت الدور الأبرز في توثيق الثورة السورية؛ لأنها لا تكتفي بسرد الأحداث، بل تحوّلها إلى أرشيف حي للأجيال، يوثق ما جرى ويروي للعالم تفاصيل معاشة.
وبينت ياسمين أنها اختارت أن تبني فيلمها “عيوني” حول شخصيتين بارزتين هما الأب باولو وهو رجل دين مثقف تواصل مباشرة مع الناس، وألهمهم الحديث بحرية عن قضايا جوهرية، وباسل الصفدي وهو ناشط تقني وثّق أحداث الثورة عبر الإنترنت، وبنى قاعدة شعبية واسعة، وكلاهما تم تغييبهما قسراً.
وأوضحت ياسمين أن الفيلم لا يحصر نفسه بهاتين الشخصيتين فقط، بل يعكس من خلالهما قضية الاختفاء القسري التي تطال مئات الآلاف في سوريا والعالم.
وأضاف وجود المحامية نورا غازي (زوجة باسل الصفدي) وإيماكولاتا (شقيقة الأب باولو) بعداً إنسانياً لفيلم “عيوني”، فهما يمثلان الذاكرة الحية لما جرى، ويقدمان شهادات مؤثرة تضيء على معاناة العائلات وتعيد الاعتبار إلى قضية المعتقلين والمغيبين قسراً وفقاً للمخرجة ياسمين.
نقل التجربة للأجيال القادمة
ترى ياسمين أن تجربتها مع السينما الوثائقية يمكن أن تُلهم الأجيال الجديدة، وخصوصاً في العالم العربي وسوريا، فهي تروي كيف عملت مع طلاب سوريين في الأردن ولبنان وتركيا، وابتكروا أساليب للتصوير والتوثيق خلال الثورة السورية.
إلى جانب الإخراج، تمارس ياسمين التدريس في مجال السينما، وتعتبر أن كليهما يغني الآخر، فهي ترى في طلابها شركاءً في تبادل الأفكار، ما يفتح آفاقاً جديدة لأفلامها، ويغذي شغفها بالبحث عن قصص إنسانية لم تُروَ بعد.
مشاريع قادمة
تعمل ياسمين حالياً على مشروع يوثق تاريخ فلسطين قبل عام 1948، مستلهمةً قصة جدها الذي عمل في ميتم ومدرسة هناك قبل النزوح إلى سوريا، على أن يتقاطع المشروع مع استعراض جوانب من تاريخ سوريا أيضاً.
ياسمين فضة في سطور
يذكر أن ياسمين فضة مخرجة أفلام وأكاديمية فلسطينية، مقيمة في المملكة المتحدة، اشتهرت كمخرجة ومنتجة ومبرمجة أفلام وثائقية، ودرّست مع منظمات سينمائية ومنظمات غير حكومية وجامعات دولية، وشاركت في تأسيس مشروع “هايلايت آرتس” الذي يعمل مع الفنانين في أوقات النزاع، وحازت عدة جوائز في مهرجانات دولية عن أفلامها الوثائقية.