دمشق-سانا
في خضم السباق العالمي نحو الاستثمار في الذكاء الاصطناعي، تتصاعد المخاوف من أن تتحول هذه الطفرة إلى فقاعة اقتصادية ضخمة، شبيهة بفقاعة “دوت كوم” التي هزّت الأسواق أواخر التسعينيات، فبينما تضخ الشركات التقنية تريليونات الدولارات في البنية التحتية ومراكز البيانات، لا تزال العوائد الفعلية غير واضحة، والنماذج الربحية غير مثبتة، ما يثير قلق المستثمرين من تكرار سيناريو الانهيار.
تشهد صناعة الذكاء الاصطناعي موجة إنفاق غير مسبوقة، إذ تخصص شركات مثل “أوبن إيه آي” و”ميتا” مئات المليارات لتطوير مراكز بيانات متقدمة، وشراء رقائق الحوسبة عالية الأداء، بهدف مواكبة الطلب المتزايد على تطبيقات الذكاء الاصطناعي التوليدي مثل “تشات جي بي تي” و”جيميناي” و”كلود”.
وتشير تقديرات إلى أن التكلفة الإجمالية لهذه الاستثمارات قد تصل إلى تريليونات الدولارات، في وقت لا تزال فيه الجدوى الاقتصادية لهذه التقنيات محل شك، وخاصة مع اعتماد الشركات على التمويل عبر الديون لتغطية النفقات، ما يضع علامات استفهام حول قدرة هذه المؤسسات على تحقيق عوائد مستدامة.
قلق متزايد في الأسواق
الانخفاضات الحادة التي شهدتها أسهم شركات التقنية في مطلع تشرين الثاني الجاري عكست حجم القلق المتنامي لدى المستثمرين، فقد أعلنت “أوبن إيه آي” عن مشروع “ستارغيت” بقيمة 500 مليار دولار، بينما تسعى “ميتا” لتأمين 26 مليار دولار لبناء مجمع بيانات في لويزيانا بحجم يقارب مدينة مانهاتن.
كما طلبت مؤسسات مالية كبرى، منها “جيه بي مورغان” و”ميتسوبيشي يو إف جيه”، تمويلاً يتجاوز 22 مليار دولار لدعم مشروع “فانتاج داتا سنترز”، ما يعزز المخاوف من أن يكون هذا الإنفاق المفرط مقدمة لانفجار فقاعة مالية.
فجوة بين الإنفاق والعوائد
رغم الزخم الاستثماري، لا تزال العوائد المتوقعة من الذكاء الاصطناعي دون المستوى المطلوب، فقد توقعت شركة “باين آند كو” أن تحتاج شركات الذكاء الاصطناعي إلى إيرادات سنوية تبلغ 2 تريليون دولار بحلول عام 2030 لتغطية تكاليف الحوسبة، بينما تشير التقديرات إلى أن الإيرادات الفعلية قد تقل عن هذا الرقم بـ 800 مليار دولار.
وفي هذا السياق، قال المستثمر البارز ديفيد إينهورن: “الأرقام المتداولة حول الاستثمار في الذكاء الاصطناعي متطرفة للغاية، يصعب استيعابها، وهناك احتمال كبير لتدمير رأس المال في هذه الدورة”.
كما كشفت دراسة لمعهد ماساتشوستس للتقنية أن 95% من المؤسسات لم تحقق أي عائد يُذكر من استثماراتها في الذكاء الاصطناعي، ما يعزز الشكوك حول جدوى هذه التقنية في الوقت الراهن.
منافسة صينية تربك الحسابات
تُفاقم المنافسة الصينية من حجم المخاوف، إذ تغزو شركات التكنولوجيا الصينية السوق بنماذج ذكاء اصطناعي منخفضة التكلفة وذات أداء تنافسي، ما يهدد هيمنة وادي السيليكون، وقد شكّلت شركة “ديب سيك” مثالاً صارخاً على هذا التحدي، حين أطلقت في يناير الماضي نموذجاً ذكياً بُني بجزء بسيط من تكلفة النماذج الأمريكية، ما أدى إلى موجة بيع ضخمة في أسهم التقنية بلغت تريليون دولار، وانخفض سهم “إنفيديا” بنسبة 17% في يوم واحد.
هل نحن أمام فقاعة جديدة؟
يعرّف الاقتصاديون “الفقاعة” بأنها ارتفاع غير مبرر في قيم الأصول يتجاوز الأساسيات الاقتصادية، يتبعه انهيار حاد عند تراجع الثقة، وتبدأ الفقاعة عادةً بحالة من المضاربة المفرطة، مدفوعة بالخوف من تفويت الفرصة، ثم تنفجر عندما يدرك المستثمرون أن التوقعات كان مبالغاً فيها.
ويستحضر المحللون تجربة “فقاعة دوت كوم”، حين جذبت شركات الإنترنت الناشئة رؤوس أموال ضخمة بناءً على مؤشرات غير واقعية، مثل حركة المرور على المواقع، دون قدرة فعلية على تحقيق الأرباح. ومع تراجع الطلب، انهارت الأسواق عام 2001، وتلاشت شركات كثيرة، بينما استحوذت شركات أقوى على منافسيها بأسعار زهيدة.
واليوم، تروّج شركات الذكاء الاصطناعي الناشئة لإيراداتها المتكررة كمؤشر للنمو، وتواصل الشركات الكبرى ضخ استثمارات ضخمة، وسط تصاعد الشكوك حول استدامة هذه التوقعات، وهو ما يزيد المخاوف لدى المستثمرين من “فقاعة جديدة”.