دمشق-سانا
يشكل انتشار البسطات بشكل عشوائي في أحياء وشوارع دمشق، تحدياً خدمياً بين ضرورة إيجاد أسواق منظمة لها تلائم التنظيم العمراني، وبين ما فرضته الظروف الاقتصادية الصعبة على الكثير من الأسر السورية التي اضطرت لنقل عملها أو عرض حرفها بهذه الطريقة، الأمر الذي يستدعي معالجات متكاملة تبدأ بتبسيط الإجراءات الحكومية، وتنظيم الأنشطة غير المرخصة، بما يحقق التوازن بين متطلبات التنمية والحقوق العامة.
ظاهرة قديمة.. والسبب تعقيدات إدارية وتهرب ضريبي
مدير غرفة تجارة دمشق عامر خربوطلي، أشار في تصريح لـ سانا، إلى أن هذا العمل العشوائي يندرج ضمن أحد جوانب ما يسمى اقتصاد الظل، وهو ظاهرة قديمة في سوريا وما زال مستمراً رغم الدراسات العديدة التي أجريت بهدف تنظيمه وإدماجه ضمن الإطار الاقتصادي الرسمي.

نسبة كبيرة من نشاطات القطاع الخاص، سواء الحرفية أو التجارية، تعمل خارج الإطار المنظم، وفق خربوطلي الذي أرجع سبب ذلك إلى صعوبات الحصول على التراخيص وتعقيدات ممارسات الأعمال والإجراءات الإدارية، ومشكلات مرتبطة بالسجلات والقضايا التنظيمية، وفي بعض الحالات التهرب الضريبي.
الافتقار إلى بيئة نظيفة
وشدد خربوطلي على أن الخطوة الأولى لمعالجة هذه الظاهرة يجب أن تبدأ بإعادة النظر في الإجراءات الحكومية ذاتها، مبيناً أن تسهيل دخول أصحاب المهن الصغيرة، ومنهم أصحاب البسطات إلى الأسواق المعتمدة، يمثل أساساً لتحويل جزء كبير من الاقتصاد غير المنظم إلى قطاع منظم.
الخبير الاقتصادي صافي عاروب، أكد أن الانتشار العشوائي للبسطات والمهن غير المرخصة داخل الأحياء السكنية، يشكل تحدياً خدمياً وبيئياً ملحوظاً، ينعكس سلباً على راحة السكان وجودة الحياة اليومية، ويولد ضجيجاً دائماً وتراكماً لنواتج الأعمال وانتشاراً للمخالفات، الأمر الذي يحوّل المناطق السكنية إلى مناطق مزدحمة تفتقر إلى النظافة البيئية والاستقرار الاجتماعي.
الانتقال نحو أسواق معتمدة

اعتبر الخبير عاروب أن تنظيم هذه الأنشطة يتطلب انتقالاً تدريجياً نحو أسواق معتمدة ومناطق محددة مسبقاً من قبل المجالس المحلية، بحيث تخضع لشروط النظافة والصحة والسلامة والأمان، مع التشديد على ضرورة تسهيل منح تراخيص مزاولة المهنة باعتبارها الأداة الأساسية لضبط العمل وتوزيع المهن بما يتوافق مع التخطيط العمراني للمدينة.
على الجهة الأخرى، تعمل محافظة دمشق على تنظيم الإشغالات المخالفة، حيث ذكرت سابقاً في شهر نيسان الماضي 11 موقعاً ضمن مدينة دمشق وريفها لتكون ساحات بديلة لهذه الإشغالات، وأعلنت أسماء المواطنين المقبولين من أصحاب هذه الإشغالات في كل ساحة، ولكن لا تزال البسطات منتشرة في أحياء العاصمة، حيث لم يلتزم بعض أصحاب البسطات والفعاليات التجارية بالانتقال إلى الساحات البديلة المحددة، الأمر الذي ينعكس سلباً على حركة المرور وسلامة المشاة، إضافة إلى تشويه المظهر العام للمدينة، وبالتالي لابد من معالجته بمتابعة دقيقة.
رأي أصحاب البسطات والمهن العشوائية
“نعتمد في معيشتنا على البسطة لعدم امتلاكنا رأس مال يمكننا من الاستئجار”، جملة بدأ بها عدنان عاشور حديثه لمراسل سانا، مضيفاً: “هذا العمل يؤمن لنا مصدر رزق متواضع، ويتميز بالمرونة وإمكانية التنقل بين المناطق بسهولة، كما يمكننا من تغيير نوع البضائع حسب الحاجة، سواء بشرائها مباشرة أو العمل بنظام النسبة مع بعض المحال”.

أما البائع وائل دهمان فيتحدث عن معاناة يومية يواجهها بسبب عمله على البسطة ولكنه محتاج لها لتأمين لقمة العيش، رغم أنها تعرضه لمخاطر الازدحام في الشوارع وحركة المرور، والملاحقة المستمرة من قبل البلدية، ما يجعل عمله غير مستقر في كثير من الأحيان.
في الجهة المقابلة، أعرب بعض أصحاب المحال التجارية عن انزعاجهم من انتشار البسطات أمام محلاتهم أو في المناطق المحيطة، حيث اعتبر سلام الطيب صاحب أحد المحلات في منطقة الدويلعة، أن وجود البسطات سواء لبيع مواد تجارية أو الذين يقدمون بعض الحرف على البسطات، يؤثر سلباً على حركة الزبائن والمبيعات، ويزيد من المنافسة غير النظامية، قائلاً: “نحترم حاجة الآخرين للرزق، لكن العمل بهذه الطريقة يخلق مشاكل لنا كأصحاب محال، سواء مشاكل مالية أو خدمية”.
ازدادت ظاهرة البسطات والمهن العشوائية في سوريا خلال السنوات الأخيرة كإحدى آليات التكيف مع الضغوط الاقتصادية وارتفاع تكاليف المعيشة، حيث لجأ عدد كبير من المواطنين إلى هذا النوع من العمل لتأمين دخل يومي بأقل الإمكانات المتاحة، لكنها من جهة أخرى أصبحت مشكلة ذات عبء إضافي على الجهات الحكومية، تحتاج إلى حل جذري من خلال إيجاد آليات كفيلة بمعالجتها نهائياً بعد كل هذه السنوات.


