دمشق-سانا
يستقرّ متحف مقتنيات الخط الحديدي الحجازي في محطة القدم التاريخية بدمشق، ليُخلّد ذاكرة هذا الخط وتاريخه الذي لايزال صداه يتردد في الأذهان، ويمتد لقرنٍ من الزمن، رغم خفوت صفير قاطراته منذ سنين طويلة.
شاهد على قرن من التاريخ

لا يعد المتحف مجرد وجهة للعرض، بل قطار من الذكريات تسير ببطء بين ممراته، فتجد نفسك تُسافر عبر الزمن، بدءاً من الصافرات الأولى التي دوت في أوائل القرن العشرين، وصولاً إلى أيامٍ كانت فيها دمشق بوابة الحجاز والمحرّك البخاري وسيلة النقل فيها، وهو ما تؤكده رئيسة دائرة العلاقات في المتحف منال خليفة، موضحة بأن إنشاء هذا المكان الفريد عام 2008 جاء بمناسبة الذكرى المئوية لانطلاق الخط الحديدي الحجازي، ومنذ ذلك الحين، بات المتحف شاهداً صامتاً على قرنٍ من التاريخ، يحتفظ بتفاصيله في زوايا مدروسة، وأقسام تُلامس القلب قبل العين وفق وصفها.
تفاصيل تحكيها وثائق وآلات

يضم المتحف أجهزة وآلات قديمة ومخططات أصلية، ففي قسم الاتصالات؛ تُشعرك أجهزة المقاسم وتذاكر السفر بأنك تستمع لآخر مكالمة وداع قبل رحلة بعيدة، وفي القسم الفني، تُدهش من كمية ودقة الخرائط والوثائق الموجودة حتى تشعر أنها بين أيدي المهندسين الذين رسموا هذه المسارات التاريخية.
كما يعرض المتحف آلات ومعدات كانت تُستخدم في ورشات الصيانة، تعكس عراقة الصناعة السورية، وتفاصيل الحرفة التي لم تكن يوماُ مجرد وظيفة بل شغف وانتماء وفق تصريح خليفة لـ سانا.
وثائق نادرة وتذاكر “دمشق- حيفا” القديمة

تؤرخ الوثائق والأدوات التي يحتويها متحف مقتنيات الخط الحديدي الحجازي في دمشق مسار الخط منذ عام 1908، حيث تُعرض فيه صور فوتوغرافية وفوانيس ومقتنيات توثّق مراحل تطور النقل السككي في المنطقة، إلى جانب خرائط عثمانية تاريخية تعود إلى فترة إنشاء الخط، تُظهر مساره الكامل والمواقع الجغرافية المهمة، وخطوط السكك، والجسور، ومحطات الصيانة.
كما يحتوي على مجموعة من الهواتف القديمة التي كانت تُستخدم كأداة أساسية في تنسيق حركة القطارات، فكان الاعتماد عليها ضرورياً لإعطاء أوامر الانطلاق والتوقف، وتنظيم مواعيد القطارات، وطلب المساعدة عند حدوث الأعطال، مما يدلّ على أن المحطة كانت مركز تشغيل فعلي وليس مجرد محطة توقف بسيطة.
وتبرز بين المقتنيات وثائق قيّمة للغاية مثل أجهزة الإنذار اليدوية، وتذاكر السفر القديمة وتعريفاتها، ولا سيما التذاكر بين دمشق والمدن الفلسطينية، وخاصة حيفا التي كان ميناؤها وقفاً للخط الحجازي بموجب مرسوم من السلطان العثماني عبد الحميد الثاني.
ويعرض المتحف أيضاً آلة قطع التذاكر، وجهاز الميلي أمبير المستخدم لتحديد مكان وسبب الأعطال، والمبرقة اليدوية العاملة بنظام مورس، إضافة إلى الساعة والمؤشر والخرائط وأدوات التصليح التي توثق مراحل تطور العمل في الخط عبر العقود.
إعادة ترميم

تعرّض المتحف خلال سنوات الحرب للتخريب والنهب، ومع ذلك، بدأت خيوط الأمل تُنسج من جديد لمقتنيات المتحف، عبر لجنة مختصة بدأت بإعادة الترميم، حيث توضح خليفة أن خطة إعادة التأهيل لا تهدف فقط إلى ترميم الأحجار والمعروضات، بل إلى إحياء الروح الثقافية، لتفتح الأبواب من جديد أمام الزوار والباحثين، وليبقى المتحف جسراً يربط بين الماضي والحاضر.
هذا المتحف لا ينفصل بالواقع عن أصل تاريخ الخط الحديدي الحجازي الذي يعد أحد أهم المشاريع التاريخية في المنطقة، والذي كان العمل به منذ مطلع القرن العشرين ليربط دمشق بالمدينة المنوّرة مروراً بالأردن والحجاز، وكانت الغاية منه تسهيل رحلة الحجاج وتمكين التواصل بين بلاد الشام والجزيرة العربية، مشكلاً إنجازاً هندسياً فريداً امتد لمسافة تزيد على 1300 كيلومتر.








