اللاذقية-سانا
على رصيف ميناء اللاذقية، يجلس توفيق أحمد شماط الحرفي الستيني، محاطاً بشباك صيد ممزقة وبالقليل من الأدوات البسيطة، يحوك بيديه ما مزّقته أمواج البحر وأسماكه.
هو ليس مجرد مُرمّم للشباك، بل صديقٌ مقرب للصيادين، تحفظ وجهه مراكبهم، وفي كل عقدة يربطها حكاية عن مهنةٍ لا تموت، ولا يتقنها إلا من عشق البحر وعرف أسراره.
يقول شماط لـ سانا: بدأت العمل في سن الخامسة عشرة، تعلمته من والدي وطورت مهارتي من خلال الاحتكاك اليومي بالصيادين، دون أي تدريب مهني.
ويلفت شماط إلى أنه يصلح أنواعاً متعددة من الشباك، تختلف في نعومتها وخشونتها، وتتراوح فتحاتها بين 20 و60 ملم، مبيناً أن لكل نوع طريقة خاصة في الصيانة، فالشبكة الناعمة تُخاط بضم أربع أو خمس عيون معاً، بينما تُعامل الشبكة الخشنة كما هي، وكأنها محوكة بخيوط الماكينة.
أدوات بسيطة
يستخدم شماط أدوات تقليدية في عمله، مثل الإبرة والمقص والخيوط، ويشير إلى أن الإبر تطوّرت عبر الزمن، من الألمنيوم إلى الخشب ثم البلاستيك، ولكل نوع قياس يناسب تركيب الشبكة ويمنح الحرفي سهولة في الحركة وثباتاً في اليد.
ويضيف: “أحياناً أعمل لساعات على شبكة واحدة، خاصة إذا كانت ممزقة من عدة جهات. لا مجال للاستعجال، فكل عقدة يجب أن تُربط بشكل صحيح، والتمزق الكبير يُعالج بالترقيع، أما البسيط فبالحياكة، وهي عملية قد تستغرق من 7ساعات إلى 48 ساعة، حسب حجم المشكلة”.
ويُجري شماط عملية الإصلاح على متن المركب أو على الشاطئ أو الرصيف، وأحياناً ينقل الشبكة إلى منزله ليعمل في جو أكثر هدوءاً وتركيزاً.
ويؤكد أن جودة الشباك ونوعها يؤثران مباشرة في إنتاج الصيادين، فكل صياد يختار شبكته حسب نوع الأسماك التي يستهدفها، ما يجعل من صيانة الشباك عملية دقيقة وحاسمة.
حرفة باقية رغم الزمن
يحلم شماط بتدريب جيل جديد على هذه الحرفة، لكنه يبحث عمن يملك الشغف الحقيقي ويُقدّر قيمة العمل اليدوي والصبر، مؤكداً أن هذه المهنة ستبقى يدوية مهما تطورت التقنيات، لأنها مرتبطة بالبحر والصيد، وبأرزاق الناس.
ويأمل أن يُفتح المجال أمام ورش ومعامل محلية لإنتاج أدوات ومعدات الصيد، ما يخفف من التكلفة على الصيادين ويعزز الإنتاج المحلي.
أما الصيادون فيرون في شماط مثالاً للحرفي الذي يحافظ على مهنة تقليدية ترتبط مباشرة برزقهم وعلاقتهم مع البحر، ويثقون به كثيراً، حتى إن بعضهم لا يخرج إلى البحر قبل أن يأخذ رأيه في الشبكة، ليتأكد من صلاحيتها للصيد.