القدس المحتلة-سانا
تتصاعد التحذيرات الدولية من تفاقم أزمة سوء التغذية الحاد بين الأطفال في قطاع غزة، مع تسجيل أكثر من 9 آلاف حالة مؤكدة بين أطفال دون سن الخامسة، وسط تقديرات أممية تشير إلى احتمال تعرض 54 ألف طفل لأشكال مختلفة من القصور الغذائي إن استمرت الأوضاع الحالية، في ظل نقص حاد للغذاء وتدهور المنظومة الصحية وصعوبة وصول المساعدات.
ارتفاع متسارع في الحالات… وبيانات أممية صادمة
ووفق أحدث تقارير الأمم المتحدة، سُجّلت 5,119 حالة سوء تغذية حاد في أيار الماضي، ليرتفع العدد إلى نحو 12 ألف حالة خلال الأشهر التالية، وتشير التقديرات الطبية إلى انتشار الهزال وتراجع المناعة وضعف النمو لدى آلاف الأطفال نتيجة نقص الغذاء والمياه الصالحة للشرب.
منظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسف” حذّرت من كارثة إنسانية متصاعدة، مؤكدة أن سوء تغذية النساء الحوامل أدّى إلى تضاعف أعداد المواليد ناقصي الوزن وارتفاع وفيات حديثي الولادة خلال العامين الماضيين.
وقالت مديرة الاتصالات في المنظمة تيس إنغرام: “لا ينبغي لأي طفل أن يحمل ندوب الحرب قبل أن يأخذ أنفاسه الأولى”، مشيرة إلى أن القيود على المساعدات واستهداف المرافق الصحية أسهما في “استنزاف الأمهات وتجويعهن”، وأضافت: “توفي خلال العامين الماضيين، ما لا يقل عن 165 طفلاً جراء سوء التغذية، وكان من الممكن تجنب ذلك”.
وأشارت إلى ارتفاع حجم سوء التغذية بين النساء الحوامل والمرضعات والتأثير المدمر المتسلسل الذي خلفه ذلك على آلاف الأطفال حديثي الولادة ، ففي تشرين الأول وحده، احتاجت 8,300 امرأة حامل ومرضعة إلى علاج من سوء التغذية، فيما ارتقى أكثر من 70 طفلاً بعد وقف إطلاق النار الأخير.
تأثيرات تمتد لأجيال…
صندوق الأمم المتحدة للسكان شدّد على أن سوء التغذية الذي تعانيه الحوامل والرضّع في غزة ستكون له آثار تمتد لأجيال، متوقعاً ظهور مشكلات صحية تتطلب رعاية مدى الحياة للأطفال المولودين في القطاع.
وقال نائب المدير التنفيذي للصندوق أندرو سابرتون: “إن واحداً من كل أربعة أشخاص في القطاع يتضور جوعاً، بينهم 11,500 امرأة حامل، والجوع بالنسبة لهم كارثي لكل من الأم والمولود”.
صحف دولية تحذر… والجوع يهدد المدنيين
صحيفة غارديان البريطانية نشرت تقارير تؤكد وفاة عدد من الأطفال نتيجة سوء التغذية منذ منتصف 2025، محذرة من أن “الجوع البحت” يهدد حياة المدنيين، ولا سيما الأطفال، مع احتمال أن تكون الأعداد الفعلية أعلى بكثير مما تسجله المؤسسات الرسمية.
بدورها نبهت “اليونيسف” إلى أن نقص الغذاء وغياب المستلزمات الأساسية، وخاصة مع دخول فصل الشتاء، يرفع بشكل كبير خطر الوفيات المرتبطة بالجوع والأمراض.
منظمة الصحة العالمية: الوضع يتدهور بوتيرة خطيرة
منظمة الصحة العالمية أكدت أن بعض المرافق الصحية لم تعد قادرة على استقبال مزيد من الحالات، مشيرة إلى أن غزة “تقترب من حافة مجاعة واسعة النطاق”، فيما أوضح المدير العام لمنظمة الأغذية والزراعة شو دونيو أن السكان “يتضورون جوعاً ليس لعدم وجود الغذاء، بل لمنع دخوله وانهيار الأنظمة الزراعية المحلية”.
انقطاع المساعدات يفاقم الأزمة
وبسبب انقطاع المساعدات الغذائية الأساسية في قطاع غزة وصعوبة إيصال الإمدادات للمناطق الشمالية الأكثر تضرراً، تشير التقارير الأممية المعنية بالصحة والتغذية إلى أن آلاف الأطفال يواجهون مخاطر تهدد حياتهم ، حيث ترتفع معدلات الهزال وفقر الدم ونقص الفيتامينات.
وكالة الغوث الفلسطينية لتشغيل اللاجئين “أونروا”، عبّرت عن قلقها من التسارع الكبير في أعداد الأطفال المتأثرين بسوء التغذية، محذّرة من وقوع وفيات جديدة إذا استمر الحصار.
كما بيّن برنامج الأغذية العالمي أن أكثر من 320 ألف طفل دون الخامسة في غزة أصبحوا عرضة لسوء التغذية الحاد، بينهم آلاف يعانون من سوء تغذية شديد.
دعوات متواصلة لفتح ممرات إنسانية
وتجدد المنظمات الدولية دعوتها لضمان تدفق آمن وكافٍ للمساعدات الغذائية والطبية وفتح ممرات إنسانية مستدامة، مع توفير حليب الأطفال والمكملات الغذائية، وتحسين خدمات الرعاية الصحية.
وأكدت الهيئات الإغاثية أن مستوى الاستجابة الحالية “متواضع للغاية مقارنة بحجم الكارثة”، مشددة على ضرورة التعجيل ببرامج الفحص والتطعيم لتجنب ارتفاع وفيات الأطفال دون سن الخامسة في المرحلة المقبلة.
يذكر أنه في آب الماضي أعلنت الأمم المتحدة رسمياً حدوث المجاعة في مدينة غزة وسط القطاع، كما جاء في التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي، “إن أكثر من نصف مليون شخص في غزة يواجهون ظروفاً كارثيةً”، أي المرحلة الخامسة من التصنيف، ومن خصائصها الجوع الشديد والموت والعوز والمستويات الحرجة للغاية من سوء التغذية الحاد.
وأسفرت حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية على قطاع غزة منذ السابع من تشرين الأول 2023 عن ارتقاء أكثر من 68 ألف فلسطيني، وإصابة 170 ألفاً آخرين، إضافة إلى دمار هائل وانهيار في الخدمات، وتحويل القطاع إلى منطقة غير قابلة للحياة جراء الحصار والتجويع وتدمير البنية التحتية.