دمشق-سانا
منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية عام 2022، اتسمت العلاقات بين روسيا والاتحاد الأوروبي، الداعم الكبير لأوكرانيا، بالتوتر الشديد والتباين العميق في المصالح الاستراتيجية للطرفين.
وفي الوقت الذي تسعى فيه بروكسل، عاصمة الاتحاد الأوروبي، إلى تعزيز الدعم العسكري والسياسي لأوكرانيا لإفشال الخطط الروسية، تواصل موسكو استخدام قوتها العسكرية والاقتصادية لدفع أوروبا نحو الانقسام وإعادة ترتيب أولوياتها، ما يجعل أي تهدئة مستدامة بين الطرفين أمراً صعب التحقيق، على الأقل في المدى المنظور.
التأثير السياسي والحرب الرمزية
تواصل روسيا ممارسة ضغوط سياسية على الاتحاد الأوروبي عبر التهديد بالانسحاب من أسواق الطاقة واستغلال الموارد الطبيعية، ما يضع الدول الأوروبية في موقف هش أمام الشتاء القادم والتحديات الاقتصادية المستمرة.
في المقابل، تحاول بروكسل تصدير صورة القوة والاتحاد داخلياً وخارجياً عبر فرض عقوبات اقتصادية متدرجة على موسكو، ودعم كييف دبلوماسياً وعسكرياً. وتشير مصادر غربية إلى ما وصفته بـ “احتمالات الحرب” بين الطرفين، بمعنى تبادل الرسائل الرمزية والإشارات الإعلامية التي تهدف إلى إظهار التفوق والتحدي؛ فروسيا تعرض مناوراتها العسكرية الكبرى كدليل على جاهزيتها، في حين يبرز الاتحاد الأوروبي تدريباته العسكرية المشتركة ومناورات الردع مع حلف الناتو، في محاولة معاكسة لإظهار القدرة على مواجهة أي تصعيد.
البعد العسكري والاستعدادات الأوروبية
ورغم دعوات الاتحاد الأوروبي للتوحد، تشير التحليلات العسكرية إلى نقص شديد في جاهزية البنى التحتية واللوجستيات الأوروبية لمواجهة استحقاق عسكري قد يكون أقرب من الحسابات النظرية.
وحسب تقارير غربية، هناك اعتراف من قبل الاتحاد الأوروبي بعدم كفاية تجهيز الطرق والمرافئ والجسور لاستقبال تعزيزات عسكرية ضخمة في حال تصعيد النزاع مع روسيا.
وتدرس دول مثل فرنسا وألمانيا إعادة الخدمة العسكرية الجزئية أو التطوعية بهدف تعزيز الجاهزية، بينما تعتمد روسيا على تجربة عسكرية متراكمة وقاعدة صناعية قوية تسمح لها بالاستمرار في الحرب على أوكرانيا، رغم الاستنزاف البشري والاقتصادي.
الإنفاق العسكري: أرقام تعكس التحديات
تبلغ الميزانية العسكرية الروسية لعام 2025 حوالي 92 مليار دولار، مع تركيز كبير على تطوير الأسلحة الاستراتيجية والطائرات والدبابات الحديثة، إضافة إلى تعزيز القدرات البحرية والصاروخية، وفي المقابل، ينفق الاتحاد الأوروبي، من خلال أعضائه الرئيسيين، نحو 300 مليار دولار سنوياً على الدفاع، لكنها موزعة بين دول متعددة، ما يخلق تحديات في التنسيق والسرعة اللوجستية. ويضاف إلى ذلك ارتفاع تكلفة تحديث البنى التحتية العسكرية وتطوير نظم الدفاع السيبراني والفضائي، وهي عناصر باتت حيوية لأي مواجهة محتملة مع روسيا.
الأبعاد الاقتصادية
تواصل العقوبات الغربية ضد موسكو تأثيرها على الاقتصاد الروسي، لكنها لم تحقق أهدافها الاستراتيجية كاملة، حيث نجحت روسيا في تنويع أسواق تصدير الطاقة والتقليل من اعتمادها على أوروبا، ما يضع الاتحاد الأوروبي أمام معضلة كبيرة تقوم على الحاجة للطاقة مقابل التمسك بالسياسة العقابية الممارسة على موسكو، وهما أمران متناقضان يتطلبان تفوقاً شاسعاً في الاقتصاد والعسكرة.
وتتجلى التوترات والتحديات الاقتصادية التي يواجهها الاتحاد في ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء، وتعطل سلاسل التوريد، وزيادة الضغوط على اقتصادات الدول الأوروبية الصغيرة والمتوسطة، ما يزيد من حالة الاحتقان الداخلي ويضعف موقف الاتحاد في مواجهة روسيا على المدى الطويل.
المشهد الاستراتيجي المستقبلي
مع استمرار الحرب الروسية على أوكرانيا، يبدو أن العلاقة بين روسيا والاتحاد الأوروبي ستبقى متوترة لسنوات مقبلة؛ فروسيا، رغم الأزمات الداخلية، تملك القدرة على الاستمرار في الصراع، بينما يسعى الاتحاد الأوروبي لتجربة أدوات جديدة للضغط والتنسيق العسكري والاقتصادي بين أعضائه. ليبقى السؤال: هل سيستطيع الاتحاد الأوروبي الحفاظ على وحدته السياسية والعسكرية في مواجهة تحديات روسية استراتيجية وطويلة الأمد؟