دمشق-سانا
رغم الدعوات المستمرة من حكومات الدول النووية الخمس الكبرى للحد من الأسلحة النووية والسعي نحو التخلص منها، إلا أن الواقع العملي يشير إلى تجدد سباق التسلح النووي بين هذه الدول، ولا سيما على وقع ارتفاع حدة التوتر العالمي بين القوى المتنافسة على الساحة الدولية.
الدول النووية الكبرى بذلت منذ عقود جهوداً لتقييد انتشار الأسلحة النووية وحصرها بالدول الخمس المعترف بها، من خلال معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية التي أبرمت في الـ 12 من حزيران 1968، والتي تهدف إلى تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية: منع الانتشار النووي، ونزع السلاح النووي، وتشجيع الاستخدامات السلمية للطاقة النووية، غير أن التجارب العملياتية والتصريحات الأخيرة لمسؤولي هذه الدول تشير إلى أن قيود سباق الثالوث النووي أصبحت من الماضي.
إعادة إطلاق سباق التسلح النووي
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أعلن منذ يومين، عن خطط لاستئناف الاختبارات النووية على “أساس متكافئ”، في إشارة إلى روسيا والصين، بعد توقف دام ثلاثة عقود، وأكد ترامب عبر منصة “تروث سوشيال” أن العملية ستبدأ فوراً، دون تحديد نوع التجارب النووية، مشيراً إلى أن ذلك يأتي تماشياً مع خطوات اتخذتها دول أخرى في المجال النووي.
وتتيح التجارب النووية للولايات المتحدة تقييم فعالية أسلحتها الحالية وتجديدها، إضافة إلى إرسال رسالة سياسية حول قوتها الاستراتيجية، ويأتي إعلان ترامب في سياق رغبة أمريكية متجددة منذ 2020 لمتابعة تطوير الترسانة النووية، رغم التريث بتنفيذ تجارب نووية آنذاك لتجنب استفزاز روسيا والصين.
روسيا تصعّد وتعلن عن أسلحة نووية جديدة
وسبق الإعلان الأمريكي، تصريح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حول تطوير بلاده لأسلحة استراتيجية جديدة، مشيراً إلى أن “تطور أنظمة الردع النووي لدى بلاده أعلى مما لدى أي دولة نووية أخرى”، كما كشف بوتين عن اختبارات روسية حديثة لطائرة مسيرة تعمل بالطاقة النووية وتحمل رؤوساً نووية، وصاروخاً جوالاً نووياً بمدى غير محدود، ما يعكس تصعيداً واضحاً في سباق التسلح النووي.
“البنتاغون” يحذر من الثالوث النووي الصيني
وفي السياق، حذر “البنتاغون” في تقريره قبل عامين من الوتيرة المتسارعة التي تنتهجها الصين لتعزيز ترسانتها النووية بشكل يتجاوز كل التوقعات، الأمر الذي ينبئ ببداية عصر جديد للتسلح النووي، واصفاً إياه بأنه أحد أكبر حملات التحديث بين الدول التسع المسلحة نووياً، مشيراً إلى أن بكين تعمل على تطوير “ثالوث نووي” مماثل لأنظمة القوة النووية متعددة الأبعاد التي تمتلكها الولايات المتحدة، والتي تمتاز بقدرتها على إطلاق صواريخ باليستية براً وبحراً وجواً.
الترسانات النووية العالمية
ووفق التقرير السنوي لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، تمتلك الولايات المتحدة 1,770 رأساً نووياً منتشراً و1,930 رأساً مخزناً، بإجمالي 3,700 رأس نووي، بينما تمتلك روسيا 1,718 رأساً منتشراً و2,591 رأساً مخزناً، بإجمالي 4,309 رؤوس، وتحتل الصين المرتبة الثالثة بترسانة إجمالية تضم 600 رأس نووي، بينها 24 رأساً في الخدمة الفعلية، مع نمو سريع بمعدل نحو 100 رأس جديد سنوياً منذ 2023.
تحذيرات دولية
في ظل تجدد المنافسة النووية، حذر المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة من خطورة هذه التطورات على البشرية، مؤكداً أن المخاطر النووية الحالية مرتفعة للغاية وأنه يجب تجنب أي إجراءات قد تؤدي إلى سوء تقدير أو تصعيد نووي كارثي.
وفي سياق متصل، شدد وزير الحرب الأمريكي على أن التوجه نحو تحديث الترسانة النووية يُعدُّ “طريقة مسؤولة لضمان قوة ردع موثوقة والحفاظ على السلام من خلال القوة”، ويأتي ذلك في وقت تتصاعد فيه التوترات الدولية مع الإعلان عن تطوير أسلحة نووية جديدة وتجارب متقدمة، ما يطرح تحديات جدية أمام جهود نزع السلاح ومنع انتشار الأسلحة النووية على الصعيد العالمي.