حمص-سانا
في شوارع حمص وأسواقها، حيث امتزجت مشاهد التعافي بعد التحرير مع آثار الدمار الذي خلفه النظام البائد، تتكئ المدينة على إرادة أهلها ومبادرات مؤسساتها لاستعادة وجهها الحقيقي.
ومن بين أبرز التحديات التي تحاول حمص تجاوزها مجدداً، تبرز ظاهرة التسول، التي فرضت نفسها كمظهر غير مألوف في مدينة كانت تُعرف سابقاً بأنها “خالية من التسول”.
ومن هنا، بدأت حملة منظمة تشارك فيها السلطات المحلية والمجتمع الأهلي، في محاولة جادة لإعادة رسم صورة المدينة، ومواجهة الظاهرة من جذورها الاقتصادية والاجتماعية.
تدابير قانونية ومجتمعية متكاملة
منذ تموز الماضي، أطلقت محافظة حمص بالتعاون مع مديرية الشؤون الاجتماعية والعمل وجمعية البر والخدمات الاجتماعية، حملة منظمة لمكافحة التسول، تشمل جولات ميدانية صباحية ومسائية لرصد الحالات، وتوثيقها لاتخاذ إجراءات مناسبة.
وأوضح مدير مكتب مكافحة التسول في المديرية ياسر الفرملي لمراسلة سانا، أن “معظم الحالات تعود لأشخاص من مكتومي القيد أو من فئة النور الوافدين”، مشيراً إلى أن “بعضهم امتهن التسول كمصدر للعيش، بينما دفعت الظروف الاقتصادية آخرين لهذا السلوك”.
معالجة فردية ومنع الاستغلال
وأشار الفرملي إلى أن المكتب يتعامل مع كل حالة على حدة، ويتم تقديم الدعم اللازم للأسر المحتاجة، مضيفاً: “إن بعض الحالات تكشف قصصاً إنسانيةً مؤثرةً، كحالة متسول لديه أبناء متفوقون دراسياً”.
ونفى الفرملي وجود شبكات منظمة تدير عمليات التسول، مرجعاً انتشار الظاهرة سابقاً إلى تقاعس بعض الجهات، ومؤكداً أن الجهود الحالية تتركز على معالجة الأسباب الجذرية كالفقر والتهجير والتفكك الأسري.
المواطن كنان علوان، أحد سكان حي الحميدية، عبّر عن استيائه من الظاهرة، واصفاً إياها بأنها “مظهر غير حضاري يشوّه وجه المدينة”، وداعياً إلى مواصلة الحملات ومعالجة الأسباب البنيوية التي تدفع الناس إلى التسول.
مبادرة مجتمعية لإنقاذ الأطفال
وفي بُعد موازٍ، يواصل فريق “سيار حمص”، وهو فريق تطوعي تأسس عام 2017، جهوده في رصد الأطفال المتسولين، ولا سيما الذين يعملون بشكل غير مباشر كبائعي الورد والمناديل.
وذكرت ليلاس دامشلي، المنسقة العامة للفريق، أن العمل يشمل “بناء قاعدة بيانات لتقييم احتياجات الأطفال، وربطهم مع برامج تعليمية وخدمات حماية”، مشيرة إلى أن “الفريق نجح سابقاً بإعادة أطفال إلى مقاعد الدراسة”.
التسول الإلكتروني… سلوك احتيالي بمظهر إنساني
وفي ظل التحول الرقمي، برزت ظاهرة “التسول الإلكتروني”، وهي نمط جديد يعتمد على منصات التواصل لجمع المال بطرق احتيالية، مستغلاً قصصاً مفبركةً أو صوراً حساسةً.
ورغم أن هذه الظاهرة لا تزال محدودة في سوريا، إلا أنها تُجرّم في عدد من الدول العربية مثل الإمارات، وتشكل تحدياً رقابياً وأخلاقياً، ويدعو مختصون إلى تطوير الأطر القانونية المحلية وتعزيز الوعي الرقمي العام لمواجهتها.