محاضرة في ثقافي أبو رمانة حول الحمامات التراثية بدمشق

دمشق-سانا

الحمامات التراثية في دمشق من أبرز المكونات العمرانية والاجتماعية التي ميّزت المدينة عبر القرون، إذ شكّلت فضاءات للحياة اليومية تجمع بين النظافة والراحة، وتعبّر في الوقت نفسه عن الإبداع الهندسي والفني لدى المعماري الدمشقي.

وضمن نشاطات مديرية الثقافة في دمشق ألقى الباحث في التراث الدكتور أنس تللو محاضرة في المركز الثقافي بأبو رمانة بعنوان “الحمامات الدمشقية عبق التاريخ”، حضرها مهتمون بالتراث.

وظائف الحمامات الدمشقية

تفنن أهل دمشق ببناء حماماتهم وفقا لتللو، عبر رصف أرضها رخاماً مضيئاً وجدراناً قاشانياً لامعاً وعقود جص نافرة مزخرفة، مع بحيرات كبيرة ونوافير محاطة ببساتين وأروقة، فلم تكن للاغتسال فقط بل مطاعم شعبية وقاعات اجتماعية، للحديث والراحة واحتوى بعضها مكتبات مطالعة، حتى قيل: “نعيم الدنيا الحمام”.

تطور مخطط الحمامات

واستعرض تللو عدداً من الحمامات المتبقية حتى يومنا هذا، منها: العفيف والورد آخر سوق ساروجا، والجوزة وسط ساروجا، والقرماني بسوق العتيق (بقيت قبته)، والخانجي عند سوق الهال، والتيروزي في باب سريجة، وابن المقدم في الصالحية، ونور الدين الشهيد في البزورية، ومن الحمامات المندثرة الجسر الأبيض، السلطان، الرأس عند السنجقدار، ومنجك بين الكلاسة والنوفرة، والقيشاني.

الحياة الاجتماعية

وأوضح تللو أن زيارة الزبون للحمام تبدأ بطقس منظم يعكس روح الألفة بين عمال الحمامات، فيستقبله المعلّم بالترحيب ويحفظ أماناته، ثم يتولى الناطور الاهتمام بالنظافة وتقديم المشروبات كالليمون والقهوة، إضافة إلى تزويده بـ “الماوية” و”الظهرية” وهي فوط تستخدم كحواجز.

طقوس النساء

أما الحمامات لدى النساء فكانت مسرحاً لطقوس خاصة في حياة المرأة، مثل “حمام العرس” الذي يقام قبل الزواج بيومين ويشمل غناء الزغاريد والمواويل التي تعبر عن الفرح والدعاء للعروسين، بالإضافة إلى “حمام النفاس” أو “حمام الفسخ” الذي يعُقد بعد الولادة للعناية بالنفساء ورفع معنوياتها، حيث يُستخدم مزيج من الزنجبيل والدبس وحبة البركة ويقدم للزوار، مع طقوس تقليدية مثل الجلوس على بلاط النار، لتسهيل التعرق وتنشيط الجسم مع تقديم الطعام الخاص لزيادة إدرار الحليب للأم، مع تقديم الطعام من كشكة ومجدرة وغيرها.

عائلات توارثت الحمامات

اعتبر تللو أن الحمامات مظهر من المظاهر الاجتماعية المتوارثة عبر الأجيال لعائلات عدة أسهمت بنقل هذا التراث منهم عائلة التيناوي، القطان، كبب (ملك الظاهر)، معتوق (ملكة)، الموصللي (جوزة)، الملا (نوفرة/نور الدين)، والمارديني.

يشار إلى أن عدد الحمامات داخل المدينة القديمة بلغ في الماضي 100 حمام، أما اليوم، فلم يبقَ منها سوى عدد محدود لا يتجاوز بضعة عشر حمّاماً ما يزال قائماً أو عاملاً، ما يستدعي بذل المزيد من الجهود للحفاظ عليها وإعادة تأهليها.