دمشق-سانا
يمثل الاهتمام بتوثيق التراث الشعبي خطوة أساسية في مسار الحفاظ على الهوية الثقافية الوطنية، لما يتضمنه هذا التراث من عناصر تعبّر عن الوجدان الجمعي، وتعكس طبيعة المجتمع السوري في ماضيه القريب وتحولاته الحديثة.
وضمن هذا الإطار يأتي كتاب صور من تراث الرحيبة الشعبي للدكتور حسان عبد الحق، والصادر عن الهيئة العامة السورية للكتاب في 271 صفحة من القطع المتوسط، كوثيقة تراثية مهمّة تسجّل تفاصيل المجتمع الرحيباني من العادات والطقوس والفنون، بوصفها جزءاً من الذاكرة اللامادية السورية.
مصادر حيّة للتراث الشعبي
استند المؤلف في عمله إلى شهادات حيّة من أبناء الرحيبة من فئات عمرية مختلفة، كان أكبرهم الحاج محمد الخطيب (مواليد 1932)، إضافة إلى معاينات مباشرة للمنازل القديمة والأدوات التراثية، وما يرتبط بها من مشاهدات وذكريات شخصية.
ويرى عبد الحق أن دافعه الأساسي لتأليف الكتاب هو الخوف من ضياع هذا الموروث الشعبي، خاصة مع غياب التدوين ورحيل الرواة والعارفين به.
مظاهر الحياة الريفية القديمة
يتنقّل الكتاب كعدسة سينمائية بين المشاهد التي شكّلت ملامح المدينة القديمة، من القناتين الرومانيتين وعين الراهب وباب المعبد، إلى مشاهد الحقول وأجواء التعاون في الزراعة والريّ والحراثة والحصاد.
كما يوثّق مراحل العمل الزراعي المتسلسلة من “الرّجاد” /الشخص الذي يقوم بنقل السنابل من الحقل إلى مكان الدرس/، إلى التذرية، ويسرد حكايات الرعاة وصناعة منتجات الحليب والصوف، في صورة تعكس روح الجماعة والمحبة التي ميّزت الحياة الريفية آنذاك.
الرحيبة عاصمة الصقور في الشرق الأوسط
يُفرد المؤلف فصلاً خاصاً لمهنة صيد الصقور التي اشتهرت بها المدينة، حتى لقبت قديماً بعاصمة الصقور في الشرق الأوسط، حيث يستعرض الكتاب مهارة الصيادين الطَرّاحين /صيادو الصقور بالشباك/ في هذا المجال، وصناعتهم للأدوات والمستلزمات المرتبطة بالصقارة، باعتبارها مهنة تجمع بين التراث والمهارة والحضور الإقليمي.
الصناعات التراثية والحجر
يبرز الكتاب مجموعة من الصناعات المنزلية التي شكّلت هوية الرحيبة، مثل صناعة اللحف والوسائد والجلود والمدارج والبُسط والدبس والقهوة المرة، إلى جانب العلاج بالأعشاب بوصفه جزءاً من الموروث الشعبي.
كما يركز الكتاب على حجر الرحيبة الذي عرف بجودته العالية وانتشرت مقالعه في جبال المنطقة، حيث تحوّل العمل فيه إلى حرفة متوارثة أتقنها الحرفيون بحرفية وفن نادرين.
حس بصري وسمعي في السرد
يحول الكتاب المشهد التراثي إلى صورة حسّية نابضة بالحياة، إذ تكاد تسمع أصوات الحصادين ومواويلهم، وترى مشاهد المراعي وصيد الصقور وصناعة الدبس، إضافة إلى طقوس الأعراس والمناسبات الاجتماعية التي تمتلئ بالفرح والزغاريد والدبكات والأغاني الشعبية كالدلعونا والعتابا.
أهمية الكتاب
أهمية الكتاب تكمن فيما يحتويه من توثيق دقيق وميداني نابع من تجربة معايشة، تسهم في حفظ الذاكرة الشعبية من الاندثار.
أما المؤلف الدكتور حسان عبد الحق، فهو أستاذ في قسم التاريخ بجامعة دمشق، له مؤلفات وأبحاث علمية عدة، منها: العمارة الملكية في بلاد الرافدين، ورحلة إلى ماري، كما شارك في تحرير عدد من مداخل الموسوعة العربية.