دمشق-سانا
في وقت بات فيه ثلاثة أرباع سكان العالم متصلين بالإنترنت، لا يزال الربع المتبقي خارج دائرة التحولات التقنية المتسارعة التي تغيّر وجه الحياة يوماً بعد يوم.
هذه الهوة لا تقتصر على من يستخدم الإنترنت ومن لا يستخدمه، بل تمتد أيضاً بين المستخدمين أنفسهم وفقاً لجودة الاتصال، القدرة على تحمّل التكاليف، ومستوى المهارات الرقمية.
في تقريره الصادر قبل يومين بعنوان “حقائق وأرقام 2025” أكد الاتحاد الدولي للاتصالات أن التقنيات الرقمية أصبحت جزءاً أساسياً من تفاصيل الحياة اليومية، مؤكداً ضرورة إتاحة الفرصة للجميع للاستفادة من الإنترنت.
وأوضحت الأمينة العامة للاتحاد دورين بوغدان مارتن أن الفجوة الرقمية تُقاس بعوامل رئيسية مثل السرعة والموثوقية وكلفة الوصول والمهارات، داعية إلى إعطائها الأولوية لضمان اتصال عالمي شامل.
أرقام وإحصاءات
وبالاستناد إلى التقرير نفسه، تتكشف الفجوة الرقمية العالمية من خلال الأرقام والإحصاءات التي توصل إليها حيث يؤكد أن نسبة استخدام الإنترنت في البلدان ذات الدخل المرتفع وصلت إلى 94 % مقابل 23 % فقط في البلدان منخفضة الدخل، في حين أن 96 % من الأشخاص غير المتصلين بالإنترنت يعيشون في بلدان إما منخفضة أو متوسطة الدخل.
أما على صعيد نوع مستخدمي الإنترنت حول العالم، فيشير التقرير إلى أن 77 % من الرجال يستخدمون الإنترنت مقابل 71 % من النساء، وعلى مستوى التوزع الجغرافي وصلت نسبة مستخدمي الإنترنت في المدن إلى 85 % مقابل 58 % في المناطق الريفية، وعمرياً وصلت نسبة المستخدمين الذين تتراوح أعمارهم بين 15-24 إلى 82 % مقابل 72 % بالنسبة لبقية الأعمار.
في الوقت ذاته كشف التقرير عن زيادة في أعداد مستخدمي الإنترنت خلال العام الحالي بواقع 240 مليون مستخدم (قرابة ربع مليار) ليصبح عدد مستخدمي الإنترنت 6 مليارات شخص، في حين لا يزال 2.2 مليار شخص غير متصلين بالإنترنت.
فجوة في التغطية
لا يتوقف ضيق الفجوة الرقمية أو اتساعها على معيار الاستخدام أو عدم الاستخدام للإنترنت، بل يرتبط الأمر كذلك بالتغطية أو جودة الاتصال حيث لا يزال ثمة عدم تكافؤ شاسع بهذا الخصوص إذ يتمتع 84 % من سكان البلدان مرتفعة الدخل بإمكانية الوصول إلى شبكات الجيل الخامس، مقارنةً بـ 4 % فقط في البلدان منخفضة الدخل.
وإضافة لجودة التغطية أو الاتصال فإن عامل التكلفة المعقولة يظلّ ضرورياً من أجل تحقيق اتصال عالمي وهادف، يتم حينما يتمكن المستخدم من الوصول للإنترنت بتكاليف مناسبة لمستوى الدخل الذي يتقاضاه المستخدم.
وبحسب مركز أنباء الأمم المتحدة، فإنه رغم انخفاض متوسط سعر سلة النطاق العريض المتنقلة للبيانات عالمياً فإن الوصول في 60 % من البلدات ذات الدخل المنخفض والمتوسط لا يزال مرتفع التكلفة.
تفاوت في المهارات
عامل آخر يبرز في إطار الفجوة الرقمية، وهو موضوع المهارة الفردية حيث لا يزال كثير من مستخدمي الإنترنت يمتلكون فقط المهارات الأساسية للاستخدام، في الوقت الذي يشهد فيه الإنترنت وبشكل متسارع الوتيرة تطورات متعلقة بالمهارات على غرار إنشاء المحتوى الرقمي، وتفعيل الحلول الرقمية لحل المشكلات.
كيف يمكن تقليص الفجوة؟
ثمة حلول فعالة سواء على مستوى الأشخاص أو الدول من شأنها تضييق الفجوة الرقمية الحاصلة في العالم، منها ما أشارت إليه مواقع متخصصة في الحلول الرقمية مثل دعم مشاريع حكومية لتطوير شبكات الإنترنت، وتعزيز نطاق الاستثمارات في المجالات التقنية، إضافة إلى إدخال مناهج التعلم الرقمي في المؤسسات التربوية والتعليمية، وتوفير برامج تدريبية من شأنها تقليص الفجوة الرقمية المرتبطة بالعمر تستهدف كبار السن أو الأشخاص محدودي المهارات الإلكترونية.
تضاف إلى ذلك مسألة تعزيز التعاون الدولي والإقليمي في المجال التقني والإفادة من الخبرات ودعم المحتوى المحليّ وتوفير بيئة داعمة ومحفزة على الابتكار في التكنولوجيا، ونشر الوعي المجتمعيّ، واستخدام التقنيات في مجالات الحياة من صحة وتعليم وخدمات حكومية.
بين اتساعها وتضييقها، تظل الفجوة الرقمية تتأرجح في عالم شديد التفاوت، فزيادة أعداد مستخدمي الإنترنت خلال العام الحالي تُعد مؤشراً إيجابياً على تقليص الهوة، لكنها لا تلغي الانقسام القائم بين من يستطيع تحمّل تكاليف الحصول على أفضل الخدمات الرقمية ومن يعجز عن ذلك، وبين من يطوّر مهاراته ليواكب الثورة التقنية ومن يظل محصوراً في حدود الاستخدام الأساسي، هذا الانقسام يثير سؤالاً جوهرياً: هل يكفي تحقيق اتصال عالمي شامل بالإنترنت للحد من اتساع الفجوة الرقمية؟