دمشق-سانا
المعتقل السياسي نصر سعيد، ابن اللاذقية (مواليد 1960)، نموذج للصمود الذي لا يلين بوجه “نظام الأسد” البائد منذ الثمانينيات، واجه صنوف القمع والعذاب في المعتقلات مرات عدة، لكنه لم يتخلّ عن إيمانه بـ “فجر الحرية” حيث ظل قلبه ينبض بالشجاعة متمسكاً بحلم الحرية المنشود.
أسباب الاعتقال
أوضح سعيد أن دوافع انخراطه في المعارضة بدأت تتبلور في سن العشرين، حيث تزامنت مع بداية الاحتجاجات الشعبية في سوريا عام 1980، مشيراً إلى أن هذا التحرك كان يهدف إلى مواجهة مظاهر القمع والظلم.

وقال سعيد: اتخذت قراري عقب إدراكي لمحاولات “نظام الأسد” خلق فتنة طائفية للتغطية على الحراك الشعبي. وبناءً على ذلك، بدأت مع رفاقي بتوزيع مناشير مناهضة للقمع في القرى، ما أدى إلى اعتقالي من منزلي في قرية ياسنس التابعة لمنطقة الحفة في ريف اللاذقية، وصادرت قوات الأمن حينها كتبي وعدداً من محتويات منزلي.
الانتهاكات في المعتقلات
روى سعيد تفاصيل الانتهاكات التي تعرض لها خلال اعتقاله، مشيراً إلى أن عناصر الأمن عمدوا إلى سحق أصابع يده اليمنى بهدف منعه من الكتابة ومواصلة نشاطه.
وذكر أن عملية التعذيب الأولى استمرت يومين متواصلين قبل أن يتم إلقاؤه في ساحة قريته ياسنس، حيث قضى شهراً كاملاً عاجزاً عن المشي بسبب الإصابات، مشدداً على أن إرادته الحرة كانت دافعه لتجاوز الأذى الجسدي.
وأضاف سعيد: اعتُقلت مجدداً بعد عام من اعتقالي الأول، وهذه المرة على يد “سرايا الدفاع” التابعة للمجرم “رفعت الأسد”، حيث تعرضت لتعذيب وتنكيل شديدين، بدءاً من الشَبح “التعليق من اليدين أو القدمين” وضربي بشكل وحشي، مؤكداً أن المعتقلين كانوا يتركون ينزفون دون تلقي أي علاج طبي.
13 عاماً في سجن صيدنايا
استذكر سعيد صموده في وجه الجلادين خلال التحقيقات، حيث أشار إلى أنه رفض الإدلاء بأي معلومات تكشف عن علاقته بمعارضة النظام البائد، وتحمّل أقسى أنواع العذاب إيماناً منه بقضية الحرية.
وقال: بعد انتهاء فترة اعتقالي الثانية، واصلت نشاطي السياسي عبر اجتماعات مع رفاقي في منطقة نهر عيشة بدمشق، إلى أن اُعتقلت مجدداً عام 1987 من قبل الأمن العسكري – فرع فلسطين، وقد تم تحويلي لاحقاً إلى سجن صيدنايا، حيث أمضيت فيه 13 سنة، مليئة بالأسى، فإلى جانب التعذيب النفسي والجسدي، ولدت ابنتي “تيماء” بعد أشهر من اعتقالي ولم أعرف، ولم يُسمح لعائلتي بالزيارة إلا بعد مرور ثلاث سنوات.
الاعتقال في 2011 ولحظة إسقاط النظام
ومنذ اندلاع الثورة السورية عام 2011 وحتى التحرير من النظام البائد في الثامن من كانون الأول 2024، تعرض سعيد للاعتقال عدة مرات لكنه ظل مصرّاً على استئناف نشاطه السياسي بعد كل خروج من المعتقل، وكان يعود للنضال بقوة أكبر لمواجهة النظام، دون تردد أو خوف من الموت.
وقال سعيد: إن التكلفة الأكبر لهذا النضال كانت على عائلته، حيث تحملت أسرته عبئاً كبيراً بسبب نشاطه السياسي، وفي هذا الإطار أشار إلى أن النظام البائد قطع راتبه الوظيفي عام 1988.
وأعرب سعيد عن تقديره للدور الذي لعبته زوجته، واصفاً إياها بـ “الشريكة المناضلة”، حيث تحملت مسؤولية تربية وتعليم الأولاد بمفردها خلال فترة اعتقاله.
وقال: إن زوجتي اضطلعت بمهمة إنسانية وخطيرة تمثلت بالسفر إلى محافظات مختلفة مثل حلب، الزبداني، حمص، حماة، بهدف طمأنة أهالي معتقلين آخرين وإبلاغهم بأن أبناءهم أحياء وموجودون معي في سجن صيدنايا.
وأكد سعيد أن يقينه بسقوط “نظام الأسد” المجرم لم يتزعزع أبداً، وأن لحظة إعلان سقوطه كانت أهم لحظة في حياته، حيث توجه مع ابنه إلى ساحة الشيخ ضاهر باللاذقية، وعبر عن مشاعر الفرح الغامرة في المكان الذي كان يمثل رمزاً للقمع سابقاً.
الثقة بالمستقبل
في ختام حديثه، يشير سعيد إلى أن ثقته كبيرة بأن الشعب السوري قادر على إعادة إعمار سوريا الجديدة على أسس العدالة والمساواة، لافتاً إلى أن انتخابات مجلس الشعب التي جرت في الخامس من تشرين الأول الماضي، تمثل خطوة مهمة على طريق تحقيق إرادة الشعب السوري الحر في بناء مستقبل بلاده.