عواصم-سانا
تتباين السياسات العالمية تجاه قضية الهجرة، إذ أصدرت دول عدة قوانين متباينة، بل ومتضاربة أحياناً، في محاولة لمعالجة هذه الظاهرة المتنامية.
وبين من يرى في المهاجرين فرصة لحلّ تحديات اقتصادية واجتماعية كالنقص في اليد العاملة وشيخوخة السكان، ومن يعتبرهم عبئاً إضافياً يجب التخلص منه، يبقى الجدل قائماً.
إسبانيا.. استثناء أوروبي
تُعدّ إسبانيا نموذجاً فريداً في التعامل مع الهجرة مقارنة بجاراتها الأوروبيات، إذ تنتهج مدريد سياسة أكثر انفتاحاً وترحيباً بالمهاجرين، وخصوصاً في سوق العمل.
فالقانون الإسباني يتيح إجراءات مبسّطة نسبياً لتسوية أوضاع المهاجرين غير النظاميين، وقد أطلقت الحكومة مؤخراً خطة لتسوية أوضاع أكثر من مليون مهاجر، في خطوة تهدف إلى سدّ فجوة العمالة وتعزيز النمو الاقتصادي.
ومع اتساع الفجوة في سوق العمل، تراهن إسبانيا على المهاجرين لسدّ هذا النقص، ولا سيما في القطاعات التي تشهد طلباً متزايداً على الوظائف الجديدة.
ألمانيا.. بين الاندماج والتقييد
على النقيض من إسبانيا، اتخذت ألمانيا مساراً أكثر تحفظاً، حيث ألغى البرلمان مؤخراً قانون “التجنيس السريع” الذي كان يمنح الجنسية للمهاجرين المندمجين خلال ثلاث سنوات بدلاً من خمس.
هذه الخطوة أثارت انتقادات واسعة من سياسيين وخبراء في شؤون الهجرة، معتبرين أنها ترسل رسالة سلبية للمهاجرين ذوي الكفاءات العالية، في وقت تواجه فيه البلاد تحديات ديمغرافية.
ومن أبرز الأصوات المعارضة، المديرة البرلمانية لكتلة الخضر، فيليتس بولات، التي شددت على ضرورة الحفاظ على المواهب العالمية، قائلة: “نحن في سباق عالمي لاستقطاب أفضل العقول، وإذا اختاروا ألمانيا، فعلينا بذل كل ما في وسعنا للاحتفاظ بهم”.
بريطانيا.. مفاجآت غير سارة
في المملكة المتحدة، فرضت الحكومة الشهر الماضي قيوداً جديدةً على الهجرة، أبرزها تعليق مؤقت لطلبات لمّ شمل عائلات اللاجئين، مع تشديد القواعد اعتباراً من ربيع 2026.
ورغم وصف الحكومة هذه الإجراءات بأنها “إصلاحات”، يرى فيها المهاجرون والحقوقيون خطوات قاسية تزيد من معاناة اللاجئين وتحدّ من فرص الاستقرار الأسري.
فرنسا.. تشديد متصاعد
فرنسا بدورها اتجهت نحو مزيد من التشديد، حيث صدق مجلس الشيوخ في شباط الماضي على قانون يمنع زواج المهاجرين غير النظاميين، ويعزز القيود على الهجرة غير الشرعية ومكافحتها.
الاتحاد الأوروبي… نظام رقمي جديد
بدأت دول الاتحاد الأوروبي اليوم تطبيق نظام رقمي جديد لتسجيل دخول وخروج المسافرين عبر الحدود الخارجية، يهدف إلى كشف المقيمين بشكل غير قانوني، ومكافحة تزوير الهوية، والحد من الهجرة غير الشرعية، في ظل ضغوط سياسية متزايدة لاتخاذ مواقف أكثر صرامة.
الولايات المتحدة… الهجرة في قلب العاصفة
وعلى الجانب الآخر من الأطلسي، يواصل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نهجه المتشدد تجاه الهجرة، إذ أطلق في بداية ولايته الثانية مبادرة لترحيل ملايين المهاجرين غير النظاميين، ما أثار موجة احتجاجات واسعة.
وقد تصاعدت الأزمة بعد نشر قوات الحرس الوطني في عدة ولايات لاحتواء المظاهرات، من بينها لوس أنجلوس، وأوريغون، وإلينوي، إلا أن محكمة استئناف أمريكية أوقفت مؤخراً عملية نشر القوات في شيكاغو، ما شكّل عائقاً أمام تنفيذ خطة التعبئة.
وفي بورتلاند، لا تزال المحكمة تدرس رفع الحظر المؤقت على نشر قوات الحرس الوطني، وسط انقسام سياسي حاد بين الولايات ذات التوجهات المختلفة.
بين التأييد والمعارضة
تظلّ الهجرة قضية خلافية عالمية، تتراوح فيها المواقف بين من يراها رافعةً للتنمية الاقتصادية وسدّاً لنقص العمالة، ومن يعتبرها عبئاً على الخدمات العامة وسوق العمل، وبين هذا وذاك، يبقى السؤال مفتوحاً: هل الهجرة أزمة يجب احتواؤها، أم فرصة يجب اغتنامها؟