دمشق-سانا
يعد اللباس الدمشقي التراثي أحد العلامات الفارقة التي طالما ميزت سكان هذه المدينة، بأقمشته وألوانه وتطريزاته وارتباطاته بدلالات اجتماعية ومكانية معينة، حيث كان موضوع الندوة والمعرض التي نظمتها مديرية الثقافة بدمشق بالتعاون مع جمعية العادات الأصيلة، في المركز الثقافي العربي في أبو رمانة اليوم.
الفعالية التي أشرف عليها الباحثون خالد فياض وعدنان تنبكجي ومحمد دبّور، احتوت نماذج أصلية من الألبسة الدمشقية القديمة وأدوات صناعتها، كالحرير والبروكار والأغباني، مقدّماً للزوار تجربة بصرية وملموسة.

وفي تصريح لمراسل سانا قال رئيس مجلس إدارة جمعية العادات الأصيلة وشيخ كار في الفنون التراثية عدنان تنبكجي: إن اللباس الدمشقي ليس مجرد زي، بل رمز للشموخ والانتماء، حيث تسعى الجمعية لإعادة إحيائه بكامل تفاصيله الدقيقة، ولا سيما الحرف المرتبطة بصناعته، من خلال دورات تدريبية للراغبين بتعلم أصولها، فضلاً عن تسليط الضوء على الأزياء والمأكولات الشعبية والأمثال القديمة، بالتعاون مع الجهات المعنية.

بدوره، لفت الأستاذ في قسم التاريخ بجامعة دمشق عمار نهار إلى أن المعرض يوثق الألبسة في التراث الشعبي الدمشقي، ويسلط الضوء على تنوّعها بين أحياء المدينة وريفها، مضيفاً: إن كل قطعة من اللباس عبرت عن مكانة اجتماعية محددة، ولكل تفصيل دلالته الخاصة، واعتبر أن مثل هذه الفعاليات تسهم في إعادة إحياء الذاكرة الشعبية، وتعريف الأجيال الجديدة بما كاد يندثر من تراثهم العريق.
الحفاظ على التراث مسؤولية وطنية
من جهته أوضح مدير العلاقات العامة في جمعية العادات الأصيلة رضوان الحايك أن الجمعية أقامت المعرض لتعريف الناس بالعادات والملابس القديمة، بهدف إحياء الذاكرة الشعبية وتعريف الجيل الجديد بعبق الحارات الدمشقية القديمة.
منفذ الأزياء محمد سليم المظلوم، المتخصص بتصميم وتنفيذ الأزياء الفلكلورية والتاريخية، تحدث عن التنوع الكبير في الألبسة الدمشقية، موضحاً أن الخنجر والطربوش والمسبحة والعكازة كانت عناصر للزينة، تعبّر عن الهيبة والذوق، لافتاً إلى أن الأثرياء كانوا يرتدون البروكار والحرير وقماش “الصاية” وهو مزيج من الحرير فيه خيوط فضة وذهب، بينما الطبقات الأخرى فضّلت الأقمشة القطنية.
الأزياء التقليدية جزء من تراثنا الحي
من جهتها، بينت معاون وزير الثقافة لشؤون التراث والآثار لونا رجب أهمية المعرض كجزء من التوعية وإعادة إحياء الحرف التقليدية والتراث التقليدي للباس الدمشقي، واعتبرت أن الأغباني والأزياء التقليدية والبروكار والنسيج والبسط جزء من تراثنا الحي وتاريخنا وهويتنا الثقافية وليست مجرد زي تقليدي عادي.
وأضافت رجب: إن الحرفيين كنوز حية نظراً لدقة عملهم وإتقانه، مؤكدة أنه تمت دعوة عدد منهم للمشاركة في عدد من المعارض الخارجية كمعرض بنان للحرف اليدوية في السعودية الذي سيقام بمشاركة 72 دولة، لإتاحة الفرصة لعرض منتجاتهم والترويج لها.
نائب رئيس الاتحاد العام للحرفيين أحمد عبيد قال: إن هذه المعارض تجسد روح وأصالة التراث الدمشقي القديم، وهي صلة وصل بيننا وبين الأجداد تحكي إبداعهم في نسج هذه الأزياء، لذلك يجب أن نكون مع الحرفيين خطوة بخطوة للنهوض بهذا التراث الجميل، انطلاقاً من أن إحياء هذا الإرث صناعة المستقبل.
منسقة العمل الأهلي والباحثة في التراث الدمشقي أمل محاسن أشارت إلى ضرورة اطلاع الناس على أهمية التراث وعمق جذوره وأصالته، لأنه غني جداً ويجب الحرص عليه وإقامة دورات تعليمية لبعض حرفه كالبروكار والقيشاني والعجمي وغيرها.
رافق المعرض ندوة فتح فيها المشاركون نافذة على الذاكرة الدمشقية، وأكدوا أن الألبسة الفلكلورية ليست مجرد أقمشة بل تاريخ مدينة وحكاية ارتباط بين الإنسان والمكان.
ويعود اللباس التراثي الدمشقي بشكله الحالي إلى القرنين 13 و 14 الميلاديين، عندما كانت دمشق مركزاً تجارياً وثقافياً مهماً في المنطقة، حيث ظهرت عليه تأثيرات من الحضارات التي مرت على المنطقة، كالعباسية والفاطمية والعثمانية، وتطورت عناصره وزخارفه لتكون تعبيراً عن الهوية الثقافية والاجتماعية لسكان المدينة عبر القرون، وخلال العصر العثماني أصبح أكثر زخرفة مع تبني تقنيات فنية وتقنيات نسج متقدمة.



