دمشق-سانا
يحتفي العالم العربي في الـ 18 من كانون الأول من كل عام باليوم العالمي للغة العربية، احتفالاً بجمالها وجلالها، واختير هذا التاريخ لأنه يصادف اليوم الذي أصدرت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها رقم 3190 بإدراج اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية ولغات العمل في المنظمة (الأمم المتحدة).
أهمية اللغة العربية
وتُعد العربية من أقدم اللغات الحيّة في العالم، وتتميز بثباتها وثرائها، حيث إن النصوص العربية القديمة، كنقوش القرن الخامس الميلادي والشعر الجاهلي،
لا تزال مفهومة لمتحدثي العربية المعاصرين، خلافاً لمعظم اللغات الأخرى التي اندثرت أو تغيرت، ويعزى هذا الثبات أساساً إلى القرآن الكريم، الذي حفظ بنيتها الأساسية، وجعلها لغة عالمية للعلم والثقافة.
ويبلغ عدد الناطقين باللغة العربية ما يربو على 450 مليون شخص وهي تتمتع بصفة اللغة الرسمية في نحو 25 دولة، وفق بيان لمنظمة اليونسكو عن اليوم العالمي للغة العربية الصادر في ال 18 من كانون الأول 2024.
اللغة العربية على لسان مفكرين غربيين
يقول اللغوي بلاشير: “اللغة العربية خلاقة وبناءة”، بينما وصف بروكلمان معجمها بأنه “المعجم اللغوي الذي لا يجاريه معجم في ثرائه”، وأكد جرونيباوم أن “اللغة العربية وسيلة اختيرت لتحمل رسالة الله النهائية، ولا توازيها لغة أخرى في شرفها”.
وحسب دراسة الباحث الفرنسي جون بيروفست المنشورة في 2018 عن منشورات «بوان» بعنوان (أجدادنا العرب)، تتميز العربية بتاريخها العريق وتراثها الزاخر، وهي أغنى لغات العالم، ولغة العلم والفكر والحضارة، كما أثرت العربية في العديد من اللغات الأخرى، فمثلاً تحتوي اللغة الفرنسية على نحو 500 كلمة من أصل عربي، نتيجة الرحلات والتبادل التجاري، ما يشير إلى أهمية تعلم اللغة العربية للاستفادة من هذا التراث اللغوي العالمي.
أرقام وإحصاءات حديثة تدعم أهمية وغنى العربية
تتحدث الأرقام عن مكانة اللغة العربية، وفقاً لتقارير سنوية صادرة عن منظمة اليونسكو ومعهد غالوب المتخصص في الإحصاء وتحليل البيانات:
- الانتشار الجغرافي: اللغة العربية هي اللغة الرسمية في 25 دولة.
- التراث الأدبي: تحتوي العربية على أكثر من 12 مليون مصطلح وكلمة مسجلة في المعاجم الكلاسيكية، ويقدر الباحثون أن المعاجم العربية الحديثة تضم أكثر من 100 ألف جذر لغوي.
- الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الحديثة: العربية تمثل واحدة من 24 لغة رئيسية مدعومة في برمجيات التعرف على الصوت والكتابة الآلية، وتستخدم في تطوير محتوى رقمي متنوع على الإنترنت.
مواكبة اللغة العربية لتطورات العصر
بحسب تقرير نشرته اليونسكو، فإن العربية ليست فقط لغة أدب وتراث، بل هي قادرة على استيعاب المصطلحات العلمية والحديثة من مختلف الثقافات، نظراً لقدرتها على تطوير المعاجم والتراكيب والأنساق التعبيرية، وإمكانيات النهوض بالواقع الثقافي، وتنمية الإبداع الفكري، والارتقاء بالمعرفة الإنسانية، والإسهام في الثقافة العالمية.
وخلافاً لما يصور البعض فإن التكنولوجيا الحديثة وفقاً لليونسكو تسهم في نشر العربية وتعزيز استخدامها في مختلف المجالات، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي.
العربية في مواجهة تحديات القرن الـ 21
حدد مجمع اللغة العربية بدمشق التحدي الأكبر أمام العربية، وهو الاحتفاظ بقدرتها على التواصل العلمي والثقافي مع مختلف الحضارات دون فقدان أصالتها التاريخية.
وللتعامل مع هذه الملفات ركز المجمع خلال السنوات الأخيرة، بشكل خاص على مشاريع لغوية تهدف لتحديث المعاجم وإدخال مصطلحات جديدة تتعلق بالعلوم والتكنولوجيا، بما يواكب التطورات العالمية، ويسهم في استخدام العربية بمجالات البحث العلمي، الإعلام، التعليم الرقمي، وربط التراث اللغوي بالابتكار المعاصر، ما يضمن استمرار العربية لغة حية قادرة على المنافسة في زمن العولمة.
ويؤكد في هذا الصدد رئيس مجمع اللغة العربية الدكتور محمود السيد خلال دراسة نشرتها مجلة المجمع على أن تعزيز سيادة اللغة العربية وانتشارها في جميع ميادين الحياة، يبدأ بالتخطيط اللغوي والتوحيد المعياري للغة العربية لتوحيد ذلك، وضمان استخدام لغة الضاد في النظام التعليمي والإعلامي، وتنسيق جهود الخبراء لضمان جودة المحتوى العربي الرقمي، والتعاون بين جمعيات حماية اللغة العربية، ونشر المعرفة العربية عالمياً، والتركيز على المتابعة والتنفيذ المستمر للتوصيات لضمان فعالية التعريب.
وبين الماضي واليوم، ما زالت اللغة العربية قادرة على أن تعزز مكانتها في التعليم والإعلام والتراث والثقافة عالمياً، بفضل حرص أبنائها عليها وبنيتها اللغوية الغنية ومرونتها في استيعاب المصطلحات الحديثة والتقنيات الجديدة، ما يجعلها قادرة على المنافسة ونقل التراث العربي إلى الأجيال الجديدة دون فقدان هويتها.