دمشق-سانا
آلة الأورغن واحدة من أعرق الآلات الموسيقية وأكثرها قدرة على ملء الفضاءات الواسعة بطبقات صوتية آسرة، ما يجعل حضورها في الأوركسترا ودور الأوبرا عنصراً أساسياً يضفي عمقاً على الأعمال السيمفونية.
دار أوبرا دمشق التي تفتخر بامتلاكها آلة أورغن خاصة بها بُنيت داخل الدار على يد شركة ألمانية متخصصة نظراً لصعوبة نقلها، وتعد من الكنوز المهمة، تنظم منذ تسعة أعوام مهرجان الأورغن والموسيقا في سوريا، تستضيف فيها عازفين عالميين لإحياء إمكانات هذه الآلة وتعزيز حضورها في المشهد الموسيقي.

في دورة هذا العام من مهرجان الأورغن استضافت الدار العازف الإيطالي أوجينيو ماريا فاجياني، الذي يُعتبر من النخبة الرفيعة في عالم الأورغن في إيطاليا، حيث قال خلال حديث مع سانا الثقافية: “منحتني مشاركتي بالحفل الموسيقي مع الفرقة السيمفونية الوطنية السورية في دار أوبرا دمشق بقيادة المايسترو ميساك باغبوداريان، شعوراً غامراً بالسعادة ولاسيما أنها كانت تجربة إيجابية للغاية، وأقيمت ضمن فعاليات مهرجان آلة الأورغن”.
ووصف فاجياني مستوى السيمفونية بالفني الرفيع، ما سهّل حسب تأكيده العمل وأسهم في تحقيق نتائج مميزة.
إمكانات هائلة في أورغن دمشق
الحفلات الموسيقية التي تجمع بين الأورغن والأوركسترا تواجه في العادة وفقاً لفاجياني تحدياً يتمثل في تحقيق التوازن الصوتي بينهما، ولكن أورغن “دار أوبرا دمشق” يتسم بمرونة تقنية عالية، أتاحت تحقيق هذا التوازن بسهولة ويسر.
وأضاف فاجياني: “هذا الأورغن يمتلك إمكانيات لونية هائلة، وعندما يعزف مع الأوركسترا السيمفونية، تنتج عن هذه العلاقة ألحان ساحرة، ولم نواجه في الحفل أي صعوبات تذكر سوى السعي لتقديم أداء يليق بقيمة وآلة الأورغن الرفيعة”.
دمشق.. المحبة والجمال
وعن عودته إلى سوريا، قال فاجياني: “أنا سعيد جداً للعودة إلى سوريا التي أشعر بقربها من قلبي، والشعب السوري يمنحني دائماً الكثير من المشاعر من القلب، وهو الأمر الأهم على الإطلاق”.
ولفت فاجياني إلى أن ما أسعده بشكل خاص في هذه الزيارة هو “الحضور الشبابي الكبير والمشارك في الحفل”، معرباً عن إعجابه الشديد “بحيوية دمشق وبهجة الحياة فيها، وكيف أن كل شيء يعود للتفتح والازدهار مرة أخرى، وهذا في غاية الأهمية”.
التعاون الموسيقي بين سوريا وإيطاليا
التعاون الموسيقي بين سوريا وإيطاليا الذي يحمل طابعاً تاريخياً، يجب أن يكون برأي فاجياني مستمراً ومستقراً ومستداماً، وأشار إلى أن بلاده، تمتلك إرثاً موسيقياً غنياً وإمكانيات كبيرة تتيح تحقيق إنجازات مهمة، ويمكن من خلال ذلك تحقيق التعاون المطلوب مع سوريا، حيث تخرج العديد من الطلبة السوريين من المعاهد الإيطالية المرموقة، منهم المايسترو ميساك باغبوداريان.
ورأى فاجياني أن هذا التعاون يثبت أن الموسيقا لغة عالمية موحدة، لا تحتاج إلى ترجمة، فهي تنبع من الأعماق وتفهمها جميع الثقافات رغم اختلافاتها.
وختم فاجياني بالقول: “الموسيقا شيء استثنائي يوحدنا جميعاً، إنها لغة تنبع من الأعماق وغير قابلة للترجمة، لكن الجميع يستطيع فهمها.. إنه لشيء رائع أن ندرك أنه في أماكن بعيدة، هناك أناس يشاركوننا نفس المشاعر ويتحدثون نفس لغة الموسيقا الموحدة”.
تجربة متفردة ومسيرة حافلة في عالم الأورغن
يشار إلى أن فاجياني من مواليد سنة 1972 في مدينة بيرغامو، ويعد واحداً من أبرز عازفي الأورغن في العالم، ويقدم عروضاً منتظمة في أوروبا وروسيا والشرق الأوسط وآسيا وأمريكا، كما تعاون مع أوركسترات مرموقة مثل أوركسترا لافيردي في ميلانو وفيلارمونيكا أرتورو توسكانيني، وعزف تحت قيادة كبار القادة العالميين، ويتميز بقدرته الفائقة على الارتجال، ويشارك كعضو في لجان تحكيم مسابقات أورغن عالمية، كما يشغل مناصب فنية عدة، منها إدارة مهرجاني “لا فيرنا” و”سان دوناتو”، ويعمل مستشاراً فنياً لمهرجان الأرض المقدسة للأورغن، كما حظيت تسجيلاته مع شركات موسيقية كبرى بإشادات واسعة، ونال عام 2024 لقب “عازف الأورغن للعام” في روسيا ليصبح أول موسيقي أجنبي يحصل على هذا التكريم.