ريف دمشق-سانا
في مدينة ما زالت تضمد جراحها، تحوّلت جدران معرض في معضمية الشام مساء أمس، إلى أرشيف بصري لذاكرة لا تموت، بعد أن أحيا فنانون وناجون ذكرى مجزرة الكيماوي، التي ارتكبها النظام البائد في الـ 21 من آب 2013، عبر معرض فني وفيلم توثيقي ينطقان بالألم، ويحرسان صوت الحقيقة من النسيان.
اللون الأصفر.. الموت الصامت

عبر خمسين لوحة تنقلت بين الواقعية والتكعيبية، نقشت الألم والمأساة في الذاكرة عبر عروض مرئية، لتبقى صور الضحايا راسخةً لا تغيب، فرسم الفنانون السماء المتشحة بالسواد ليلة المجزرة، معبرين عن آهات الآمنين، فيما الموت يتساقط عليهم بصمت، وسط ظلال من اللون الأصفر الذي يرمز للكيماوي (غاز السارين السام)، مع تجسيد العقاب الذي لا يجب أن يفلت منه المجرم بشار الأسد عبر إظهاره مكبلاً بالأغلال.
الفنانة التشكيلية عبير عبيد، المشرفة على المعرض أوضحت لـ سانا، أن الأعمال تنوعت في سنوات رسمها منذ وقوع المجزرة في آب 2013، وجُمعت خلال 20 يوماً، لتشارك بإحياء ذكرى هذه الفاجعة بعد التحرير، والتي راح ضحيتها عشرات الشهداء غالبيتهم من الأطفال والنساء ارتقوا في تلك الليلة.

الفنانة الشابة جنى وائل الشيخ من أهالي مدينة المعضمية، استحضرت من روح بيكاسو صيغة للتحدي والتأمل، من خلال أربع لوحات حاكت وجوه الضحايا وجرائم النظام البائد بأسلوب تعبيري مؤلم، أما صديقتها إسراء إسماعيل، فاختارت أن تسير في ظلّ دافنشي ومونيه، بست لوحات وُلدت من ركام الذاكرة، معبرةً خلالها عن الألم الذي عاشه أهالي المدينة في تلك الليلة، والدعوات المطالبة بمحاسبة المجرمين وإحقاق الحق والعدل.
فيلم يوثق الفاجعة دون رتوش
أما الفيلم التوثيقي، فكان بمثابة مذكرات بصرية تستحضر أحداث تلك الفاجعة التي بدأت بقصف أكثر من عشر صواريخ أرض _أرض محملة بغاز السارين السام، فجر 21 آب، ليبدأ الفيلم بمشهد لانبعاث الغازات، حيث كان شبح الموت يطارد أبناء المدينة.
وعلى مدى 28 دقيقة، نقل الفيلم مشاهد حية تفصيلية بدون أي إضافات توثق أناساً ومسعفين يركضون، وهم يحملون أجساداً ترتجف وسط صرخات الأطفال والعجائز والنساء، ومشاهد لأم تحاول إنقاذ أطفالها، وفتاة تستنجد أخيها، وممرضاً يسعى لإنقاذ ما يمكن انقاذه، ورافق الفيلم شهادات من شهود على المجزرة من أطباء وممرضين وإعلاميين ومثقفين وذوي ضحايا، أبرزها شهادة امرأة فقدت خمسة من أطفالها.
واختتمت الفعالية بالمنشد الفلسطيني إبراهيم الأحمد، القادم من مدينة طرابلس اللبنانية، لترسل الفعالية رسائل من العدالة والغضب والحزن لضحايا لن ننساهم.
وتعد مجزرة الكيماوي واحدة من أبشع الجرائم التي ارتكبها النظام البائد بحق المدنيين في غوطتي دمشق عام 2013، في هجومٍ مباغت استخدم فيها غاز السارين المحظور دولياً، ما أدى إلى استشهاد أكثر من 1400 مدني، بينهم 200 طفل وامرأة، وإصابة آلاف آخرين بأعراض اختناق وتسمم مروعة.

