مقديشو-سانا
شهدت العاصمة الصومالية مقديشو أمس تحولاً سياسياً ملحوظاً مع بدء أول انتخابات بلدية مباشرة منذ نحو ستة عقود وسط مشاركة كبيرة، وتدابير أمنية مشددة، في خطوة وُصفت بأنها محطة تاريخية في مسار التحول الديمقراطي بالبلاد.
وكانت الانتخابات المباشرة في الصومال ألغيت بعد وصول الرئيس الأسبق محمد سياد بري إلى السلطة عام 1969 ليُستبدل النظام الانتخابي بآلية تقوم على المحاصصة القبلية، ومنذ سقوط نظام بري عام 1991، ظل اختيار المسؤولين المحليين والبرلمانيين يتم عبر مفاوضات بين شيوخ العشائر، وهو ما أثار انتقادات واسعة باعتباره نظاماً غير شامل.
أكثر من 1600 مرشح يتنافسون على 390 مقعداً
وأعلنت “اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات والحدود” في الصومال أن عمليات التصويت جرت في 16 مديرية بإقليم بنادر، حيث تنافس أكثر من 1600 مرشح على 390 مقعداً في المجالس المحلية، وذلك ضمن تطبيق نظام “شخص واحد، صوت واحد”، بعد عقود من اعتماد التصويت غير المباشر القائم على المحاصصة القبلية، حيث بلغ عدد الناخبين المسجلين، حسب اللجنة، نحو 919 ألفاً، في حين تسلم بطاقة الاقتراع قرابة 504 آلاف ناخب.
فرصة لإعادة السلطة إلى الشعب
وأكد الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود في خطاب مسجل نشر على حساب القصر الرئاسي في موقع فيسبوك أن الانتخابات البلدية تمثل “فرصة تاريخية لإعادة السلطة إلى الشعب”، وأن هذا الاستحقاق يشكل شهادة واضحة على تحسن الوضع الأمني في العاصمة، وخطوة أساسية نحو ترسيخ الديمقراطية والحكم الرشيد.
وشدد الرئيس محمود على أن “اعتماد نظام الاقتراع المباشر يهدف إلى تجاوز الصفقات السياسية وآليات المحاصصة التي حكمت العملية الانتخابية لعقود”، داعياً المواطنين إلى المشاركة الواسعة وحماية هذا المسار الوطني.
من جانبه، أكد رئيس الوزراء الصومالي حمزة عبدي بري أن الإقبال الشعبي على مراكز الاقتراع يعكس التزام المواطنين بالمسار الديمقراطي، مشيداً بالنظام والانضباط اللذين سادا العملية الانتخابية، ومعتبراً أن الانتخابات تعيد للمواطنين حقهم الأصيل في اختيار ممثليهم، وتمهد لتعزيز الحكم المحلي وتحسين مستوى الخدمات.
بدوره، أوضح محافظ إقليم بنادر وعمدة مدينة مقديشو حسن حسين مونغاب أن هذه الانتخابات تشكل خطوة حقيقية نحو إعادة السلطة إلى الشعب، مؤكداً أن الإقبال الشعبي الواسع يعكس رفض العودة إلى نظام الانتخابات غير المباشرة، ويمهد لبناء دولة قوية تقوم على السلام والتنمية والاستقرار.
إجراءات أمنية واسعة في العاصمة
وفي سياق تعزيز الثقة في سير العملية الانتخابية، أعلن وزير الأمن الداخلي الصومالي عبد الله شيخ إسماعيل أنه تم نشر أكثر من 10 آلاف عنصر من القوات الأمنية في مقديشو، لتأمينها وضمان سير عملية الاقتراع بأمان، مشيراً إلى أن هذه التدابير الأمنية المشددة جاءت في وقت كان فيه العديد من المواطنين متحمسين للمشاركة في الانتخابات التي تمثل لهم فرصة تاريخية.
المشاركة الشعبية والتحديات السياسية
وشهدت الانتخابات إقبالاً شعبياً واسعاً، كما أكدت السلطات الصومالية، ما يعكس رغبةً جادةً في المشاركة الفعلية بعد عقود من الحرمان من التصويت المباشر، إذ أعرب العديد من المواطنين في تصريحات لوسائل إعلامية عن شعورهم بأنهم يحققون “حلماً تاريخياً”، وخاصة بعد مرور أكثر من نصف قرن منذ آخر انتخابات مباشرة.
ترحيب بالانتخابات
وفي ردود الفعل الإقليمية، رحب الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط بتنظيم الانتخابات، لافتاً إلى أنها خطوة مهمة وإيجابية تعزز المواطنة والشرعية الدستورية وتدعم السلم الأهلي والتنمية.
كما رحّبت بعثة الاتحاد الإفريقي للدعم والاستقرار في الصومال، بإجراء انتخابات المجالس المحلية في إقليم بنادر، ووصفتها في بيان لها بأنها محطة تاريخية في مسار التحول الأمني والديمقراطي وبناء الدولة، مشيرة إلى أنها جرت بصورة سلمية ومنظمة بعد عقود من غياب الاقتراع المباشر.
تحذيرات سياسية
من جهة أخرى، أعلنت تيارات سياسية مقاطعتها للانتخابات، معتبرة أن إجراء الانتخابات دون توافق وطني شامل قد يؤدي إلى تعميق الانقسام السياسي ويقوض الاستقرار.
محطة حاسمة لمسار الانتقال السياسي
ويرى مراقبون أن الانتخابات البلدية في مقديشو تمثل تجربة مفصلية في مسار الانتقال السياسي في الصومال، ومحطة حاسمة تسبق الاستحقاقات البرلمانية والرئاسية المقررة عام 2026، والانتقال إلى نموذج ديمقراطي مستدام.