دمشق-سانا
في عالم تتسارع فيه التغيرات وتتعمّق الأزمات، من صراعات إقليمية وحروب كبرى، إلى تداعيات تغيّر المناخ وتدهور الاقتصادات واتساع دائرة الفقر والنزوح، يبقى منصب الأمين العام للأمم المتحدة محور تنافس دولي حاد، خصوصاً بين القوى الكبرى الساعية لاختيار شخصية قادرة على مواجهة التحديات المقبلة.
ومع اقتراب انتهاء ولاية الأمين العام الحالي أنطونيو غوتيريش نهاية عام 2026، تتجه الأنظار إلى هوية خليفته، وإلى ما إذا كانت امرأة ستتولى هذا المنصب للمرة الأولى.
بداية عملية الترشح
الثلاثاء الماضي، وجهت الجمعية العامة للأمم المتحدة ورئيس مجلس الأمن رسالة مشتركة تطلق رسمياً عملية اختيار الأمين العام التاسع للمنظمة، في خطوة مبكرة تهدف إلى إتاحة وقت أطول للنقاشات ومنح الدول فرصة أوسع لتقديم مرشحيها.
وتميزت الرسالة هذا العام بالتشديد على أهمية ترشيح نساء، إضافة إلى احترام مبدأ التنوع الإقليمي.
تحديات المنصب بين الواقع والتطلعات
منذ وصف أول أمين عام للأمم المتحدة، النرويجي تريغف لي، منصبه بأنه “أصعب وظيفة في العالم”، لم تتراجع صعوبة هذا الدور بل تضاعفت، فالأمين العام المقبل سيواجه مشهداً دولياً بالغ التعقيد: حروباً متفجرة، توترات جيوسياسية، أزمة مناخ متسارعة، فجوات رقمية متنامية، وتحديات تقنية وأمنية جديدة.
وأكدت رئيسة الجمعية العامة الحالية أنالينا بيربوك أن المجتمع الدولي ينتظر قيادة قوية وفعالة ترتكز على ركائز الأمم المتحدة الثلاث: السلم والأمن، حقوق الإنسان، والتنمية، مع ضرورة تأهيل المنظمة لمواجهة المستقبل.
فرصة تاريخية لقيادة نسائية
للمرة الأولى، تضمنت الرسالة الأممية دعوة صريحة لترشيح نساء للمنصب، تعبيراً عن الأسف لعدم تولي أي امرأة هذا الدور منذ تأسيس المنظمة.
وقد تداولت وسائل الإعلام بالفعل أسماء بارزة، منها رئيسة تشيلي السابقة ميشيل باشليه، والكوستاريكية ريبيكا غرينسبان، إضافة إلى المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي.
مهام ومسؤوليات الأمين العام
يتطلب المنصب مستوى عالياً من النزاهة والخبرة الدبلوماسية والالتزام بمبادئ ميثاق الأمم المتحدة، حيث يتولى الأمين العام قيادة المنظومة الأممية وتنسيق عمل وكالاتها، إضافة إلى دور محوري في الوساطة وحفظ السلام وتعزيز الحوار بين الدول.
كما تقع على عاتقه مسؤولية مواجهة الانقسامات الجيوسياسية وضمان تمويل مستدام للمنظمة، والدفاع عن قضايا حقوق الإنسان والتنمية والعدالة.
آلية الاختيار
تبدأ العملية بإعلان مشترك من الجمعية العامة ومجلس الأمن يفتح باب الترشح، ثم يخضع المرشحون لجلسات استماع علنية أمام الجمعية العامة، قبل أن ينتقل الملف إلى مجلس الأمن الذي يجري تصويتاً سرياً لاختيار اسم واحد يُرفع كتوصية رسمية.
ويُشترط حصول المرشح على تسعة أصوات من أصل خمسة عشر، دون استخدام حق النقض من الدول الخمس الدائمة العضوية.
وفي المرحلة الأخيرة، تصوت الجمعية العامة على المرشح الموصى به ليتولى ولاية مدتها خمس سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة.
وتُفتتح المرحلة الرسمية للاختيار في تموز 2026، مع امتلاك الولايات المتحدة والصين وروسيا وفرنسا وبريطانيا حق النقض الذي يمكنه تعطيل أي مرشح.
وقد تأسست الأمم المتحدة في 24 تشرين الأول/أكتوبر 1945 عقب مؤتمر سان فرانسيسكو، الذي جمع ممثلي خمسين دولة لوضع ميثاق المنظمة الدولية الجديدة. وجاء تأسيسها كرد فعل مباشر على ويلات الحرب العالمية الثانية، لتكون بديلاً أكثر فاعلية من عصبة الأمم التي أخفقت في منع اندلاع الحرب.
وشكّلت الدول الكبرى آنذاك الركيزة الأساسية للمنظمة، وهي: الولايات المتحدة، الاتحاد السوفيتي، الصين، المملكة المتحدة، وفرنسا، إلى جانب عشرات الدول الأخرى، بينها دول عربية مثل سوريا ومصر والعراق ولبنان، التي كانت من بين الأعضاء المؤسسين.