دمشق-سانا
تتشكل ملامح نهضة جديدة تحمل في طيّاتها رسالة صمود وإصرار على استعادة الحياة في حي القابون الدمشقي، فبعد سنوات من الدمار والغياب، يعود الأمل ليُزهر من جديد في الحي بفضل جهودٍ حثيثة يقودها أبناء المجتمع المحلي، عن طريق مبادرات أهلية تعيد النبض إلى قلب المنطقة، وذلك في رسالة إنسانية تكرِّس قيم التكافل والتعاضد، وتؤكد أن يد الخير لا تنكسر.
إنجازات المجتمع المحلي بعد التحرير

رئيس لجنة حي القابون، المحامي أسامة عبد الواحد، تحدث لـ سانا، عن بعض الإنجازات التي حصلت بالحي بعد التحرير، مشيراً إلى أن المنطقة مدمرة، ولها متطلبات واحتياجات كثيرة، فهي تنهض من تحت الركام، وقال: “نعوِّل وبشدة على دور المجتمع المحلي في إعادة الحياة كما كانت سابقاً”.
وقال عبد الواحد: بادر أهالي الحي بتنظيم فعاليات ومساهمات للقيام ببعض الأنشطة الضرورية للمنطقة، أهمها إنارة الطريق الرئيسي بحي القابون من خلال ألواح طاقة شمسية، والآن الشارع الرئيسي مضاء بالكامل ليلاً، مضيفاً: عمل المجتمع المحلي على حفر أربع آبار في القابون مع وجود آبار أخرى احتياطية، وكل بئر يوزع المياه لعدة مناطق ضمن الحي، لتوفير أمان مائي في حالة الشح، ويغطي تقريباً احتياجات ربع سكان الحي.
مبادرات لتزويد الأهالي بالخبز

رئيس اللجنة أشار إلى أن المبادرات تتضمن مشروع إعادة تأهيل الفرن الآلي، بمساحة 250 متراً، فهو بمرحلة التجهيز حالياً ويحتاج إلى الإكساء والمعدات، وهناك جهود محلية لتغطية التكاليف، ويعمل عدد من شباب الحي لإنشاء سوق للخضار، وتم إلى الآن شراء الحديد مع انتظار التراخيص الإدارية لتفعيل هذه المبادرات، إضافة إلى العمل على ترميم مقاعد مدرسية تحتضن أحلام الطلاب وتنير مستقبلهم، موضحاً أن اللجنة تعمل كفريق منسجم لإدارة العمل الجماعي في حي القابون، والمساهمات والتفاعل الاجتماعي ما زالت مستمرة.
آلية التبرعات للمبادرات المجتمعية.
حول آلية جمع التبرعات للمبادرات، أوضح رئيس اللجنة أن عملية الجمع تحصل عن طريق مجموعات الواتساب، التي تضم عدداً كبيراً من سكان الحي، يقترح أحد الأهالي فكرة تنال إعجاب ورضا الآخرين، فيتجه الناس لإرسال التبرعات إلى شخص من أهل الكفاءة والخبرة من اللجنة المعتمدة في الحي ليقوم بجمعها وإنفاقها على المشاريع المتفق عليها.

من جانبه، أوضح وليد ليلى -أحد أبناء الحي- تفاصيل مشروع إعادة تأهيل المدارس التي كانت غير صالحة لاستقبال الطلاب، وتم ترميمها بالكامل، بما فيها المقاعد والألواح الخشبية والدهان ومشارب المياه والحمامات.
وأشار ليلى، إلى أن التمويل جاء من تبرعات أهالي الحي، مع تقديم الدولة التسهيلات الإدارية اللازمة، لافتاً إلى أن الأهالي أعادوا تأهيل أربع مدارس بكامل تجهيزاتها، ما وفر بيئة تعليمية مناسبة للطلاب.
واقع الحي قبل وبعد المبادرات

عبدو رمضان من أبناء حي القابون، لفت إلى أن الحي كان مدمراً بكل ما تحمله الكلمة من معنى، والبنى التحتية كانت في أسوأ حالاتها، فالحي سابقاً عانى من انعدام شبه كامل للكهرباء والمياه، وتفشي الأوبئة، وانتشار القمامة في كل مكان، مع غياب تام لأبسط مقومات الحياة الكريمة.
وقال رمضان: “هذه المبادرات المجتمعية حسنت الحي بنسبة 80 بالمئة، وعملت على الارتقاء بواقع الحدائق من خلال عمليات التشجير، ما يجعلها أماكن استجمام عائلية، فالعودة التدريجية للأهالي من الخارج تؤكد نجاح المشروع”. وتأتي هذه المبادرات في إطار الجهود المستمرة التي يقدمها أبناء حي القابون لإعادة نهضته بعد التحرير، والذي يشكل نموذجاً ملهماً للعمل المجتمعي وتقديم مثال حي للتعاون بين المواطنين.