دمشق-سانا
شهدت الأسواق العالمية في عام 2025 واحدة من أعقد موجات التضخم خلال العقدين الأخيرين، نتيجة تداخل عوامل اقتصادية وتجارية وجيوسياسية وسط تحذيرات دولية من أن ضغوط الأسعار قد تستمر لفترة أطول من المتوقع، رغم السياسات النقدية المشددة التي اعتمدتها البنوك المركزية الكبرى في السنوات الماضية.
استقرار سعري بعيد المنال وسط تباطؤ الاقتصاد العالمي
وتشير تقديرات المؤسسات الاقتصادية الدولية إلى أن معدل التضخم العالمي سيظل قريباً من 4 بالمئة خلال العام الجاري، وهو مستوى يتجاوز الأهداف المعلنة لمعظم الاقتصادات المتقدمة، ما يعكس صعوبة تحقيق استقرار سعري سريع في ظل تباطؤ النمو العالمي واستمرار الاختلالات في سلاسل الإمداد.
الفيدرالي الأميركي يخفض الفائدة وسط تباطؤ النمو
مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي أعلن في الـ 10 من الشهر الجاري خفض سعر الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس، في محاولة للحد من تباطؤ النشاط الاقتصادي وتراجع نمو الوظائف.
وقال رئيس المجلس، جيروم باول: “إن التضخم لا يزال أعلى من المستوى المستهدف، لكن المخاطر المتزايدة على سوق العمل تفرض قدراً كبيراً من الحذر في تشديد السياسة النقدية.
وأضاف باول: إن الاقتصاد الأميركي يمر بمرحلة “تباطؤ تضخمي معتدل”، حيث يتراجع النمو دون أن تنخفض الضغوط السعرية بالسرعة المطلوبة، ما يقيد خيارات صانعي القرار النقدي.
الرسوم الجمركية والذكاء الاصطناعي
وفي تصريحات لاحقة أشار باول إلى أن الرسوم الجمركية المفروضة خلال السنوات الماضية ساهمت في رفع أسعار سلع عديد، مؤكداً أن هذه السياسات التجارية زادت من تكلفة الاستيراد والإنتاج، وفي المقابل اعتبر أن الاستثمار في تقنيات الذكاء الاصطناعي قد يسهم في تحسين الإنتاجية ويخفف جزئياً من الضغوط التضخمية خلال الأعوام المقبلة.
صندوق النقد يحذر من عودة الضغوط التضخمية
بدوره، توقع صندوق النقد الدولي انخفاضاً تدريجياً في التضخم العالمي إلى نحو 4.2 بالمئة بنهاية 2025، لكنه حذر من أن التوترات التجارية وتباطؤ الطلب العالمي قد يعيدان الضغوط التضخمية في أي وقت.
وأكدت المديرة العامة للصندوق، كريستالينا جورجيفا، أن الاقتصاد العالمي أظهر مرونة أكبر مما كان متوقعاً، لكنها رجحت استمرار تباطؤ النمو خلال 2026، مشيرة إلى اتساع الفجوة بين معدلات التضخم في الاقتصادات المتقدمة والناشئة، وهو ما يعقد تنسيق السياسات النقدية على المستوى الدولي.
النمو العالمي عرضة لتوترات تجارية جديدة
من جانبها، حذرت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية من أن النمو العالمي يظل عرضة لمخاطر اندلاع توترات تجارية جديدة، رغم صموده بدعم من الاستثمار المتزايد في الذكاء الاصطناعي، مرجحة تباطؤ النمو العالمي من 3.2 بالمئة هذا العام إلى 2.9 بالمئة في 2026، مع إمكانية انتعاشه إلى 3.1 بالمئة في 2027.
إلى ذلك أوضح الأمين العام للمنظمة، ماتياس كورمان، أن تأثير الصدمات التجارية الناجمة عن زيادة التعريفات الجمركية الأميركية كان محدوداً حتى الآن، لكنه مرشح للارتفاع.
أوروبا بين الاحتواء والاضطراب، وآسيا وأفريقيا تحت ضغوط أشد
وفي أوروبا، تمكنت بعض الدول من احتواء التضخم، بينما واجهت أخرى، خصوصاً في جنوب القارة، موجات جديدة نتيجة ارتفاع تكاليف الشحن والمواد الخام، أما الاقتصادات النامية فقد تأثرت بدرجات أشد، حيث سجلت دول عدة ارتفاعات ملموسة في أسعار المستهلكين. وفي آسيا، واجهت دول مثل الهند وإندونيسيا ضغوطاً أقل نسبياً، لكنها بقيت متأثرة بارتفاع أسعار الغذاء والطاقة.
وفي أفريقيا، أظهرت بيانات رسمية مصرية أن معدل التضخم بلغ 12.5 بالمئة في تشرين الأول 2025، مدفوعاً بارتفاع أسعار الوقود وتعديلات الإيجارات، ما يعكس انتقال الضغوط العالمية إلى الأسواق المحلية.
خيارات صعبة أمام البنوك المركزية في مواجهة الأزمة
تجد البنوك المركزية نفسها أمام خيارات صعبة بين كبح التضخم ودعم النمو الاقتصادي، فالتشديد النقدي المفرط قد يقود إلى ركود أعمق، بينما يهدد التيسير المبكر بعودة الأسعار إلى الارتفاع، في حين يرى محللون أن معالجة الأزمة تتطلب إصلاحات هيكلية في مجالات التجارة والطاقة وسلاسل الإمداد، إلى جانب السياسات النقدية.
هشاشة الاقتصاد العالمي أمام أزمة التضخم
ويخلص خبراء الاقتصاد العالميون إلى أن أزمة التضخم العالمية في 2025 تكشف هشاشة التوازن الاقتصادي الدولي أمام الأزمات المركبة، ومع غياب حلول سريعة أو توافق دولي شامل، تبقى الأسواق في حالة ترقب، بانتظار سياسات أكثر تنسيقاً وابتكاراً قادرة على إعادة الاستقرار السعري دون التضحية بآفاق النمو.