دمشق-سانا
مع تصاعد آثار الجفاف ونقص المياه في مناطق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أصبح التغير المناخي قضية ملحّة تتطلب تبنّي حلول مبتكرة، مثل الزراعة الذكية، لضمان الاستخدام الأمثل للموارد الطبيعية، وتبرز أهمية هذه الحلول في سياق أعمال قمة المناخ التي انطلقت أمس في البرازيل، بمشاركة واسعة من قادة الدول وممثلي المنظمات الدولية، لمناقشة سبل الحد من الاحتباس الحراري، ومكافحة الجفاف، وتعزيز التمويل المناخي لدعم الدول النامية.
ويبحث المشاركون في القمة، التي تستمر حتى الـ 21 من الشهر الجاري، تطبيق خطط عمل وطنية جديدة للتكيف مع التغيرات المناخية، وحماية الغابات، والحفاظ على التنوع البيولوجي، في إطار الجهود الدولية لمواجهة آثار التغير المناخي المتسارعة.
وظهرت أبرز ملامح التغير المناخي في السنوات الأخيرة في ارتفاع درجات الحرارة، وتناقص الهطولات المطرية، إضافة إلى الجفاف في بعض مناطق العالم، والفيضانات في مناطق أخرى، ما انعكس على الاقتصاد بصفة عامة، وخاصة على قطاع الزراعة، ولذلك، فإن التحول إلى الزراعة الذكية، كما يرى العديد من الخبراء، أصبح ضرورة لضمان الأمن الغذائي، عبر استخدام التكنولوجيا لإنتاج محاصيل أكثر باستخدام موارد أقل، والتكيف مع التغيرات المناخية.
ووفق برنامج الأغذية العالمي، فإن نحو 70 بالمئة من السكان في منطقة جنوب أفريقيا وحدها يعتمدون على الزراعة المطرية، بينما تسببت ظاهرة “إل نينو” المناخية في محاصرة الإنتاج الزراعي هذا العام، وقد لفتت المديرة التنفيذية للبرنامج، “سيندي ماكين”، إلى أن الجفاف الشديد في زامبيا دمّر المحاصيل الأساسية لملايين الأشخاص، ولا سيما محصول الذرة الذي تضرر بنسبة تصل إلى 80 بالمئة.
وتُعتبر ظاهرة “إل نينو” نمطاً دورياً لارتفاع درجات حرارة سطح المحيط الهادئ الاستوائي، ما يؤثر على أنماط الطقس، ويؤدي إلى ظروف أكثر دفئاً ورطوبةً في بعض المناطق، وأكثر جفافاً في مناطق أخرى، متسبباً بفيضانات وجفاف وتغيرات مناخية على مستوى العالم.
وأظهرت تقديرات منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة “الفاو” أن الخسائر في الإنتاج الزراعي، بسبب الكوارث بما في ذلك الجفاف، منذ 30 سنة، تجاوزت نحو 3.8 تريليون دولار، أي نحو 5 بالمئة من الناتج الزراعي العالمي السنوي، بينما عانى العام الماضي 673 مليون شخص من نقص التغذية المزمن حول العالم.
ولمساعدة البلدان التي تعاني من ندرة المياه على تحسين الإنتاج الزراعي بكفاءة، أدخلت “الفاو” منصة “WaPOR” كأداة رقابة باستخدام الأقمار الصناعية لرصد إنتاجية المياه الزراعية.
وقد تأثرت منطقة الشرق الأوسط بالتغير المناخي العالمي خلال السنوات الماضية، بزيادة حرائق الغابات، وتغيرات في معدلات هطول الأمطار، وتشير الدراسات العلمية الحديثة إلى أن احتمال وقوع الجفاف في المنطقة، كان يحدث قبل ظاهرة التغير المناخي مرة كل 250 سنة، ويزداد الآن ليصبح مرة كل 10 سنوات عند ازدياد الحرارة بمقدار 1.2 درجة مئوية، وقد يصبح احتمال حدوثه مرة كل 5 سنوات عند وصول ازدياد الحرارة إلى درجتين مئويتين.
ومن هنا، فإن العائد من المتر المكعب من المياه في الزراعة الذكية أعلى من غيره، فعلى سبيل المثال، في الزراعة المائية، وهي تقنية لزراعة النباتات بدون تربة، يتم توفير أكثر من 70 بالمئة من المياه، كما أنها تسهم في تعزيز تنافسية المنتجات المحلية، لإنتاج محاصيل ذات جودة عالية، وخالية من بقايا المبيدات، وذات قبول عند المستهلكين.
ومن خلال استخدام التقنيات في الزراعة، يمكن التنبؤ المبكر بالأزمات، كانخفاض نسبة المياه أو تأخر الأمطار، ما يمنح الفرصة لاتخاذ إجراءات استباقية بدلاً من التصرف بعد وقوع الضرر، حيث يمكن إنتاج غذاء أكثر بنفس الموارد أو أقل منها، ما يرفع مناعة المجتمعات الزراعية تجاه صدمات مثل الجفاف.
ويتطلب التحدي الأكبر، الذي تطرحه موجات الجفاف والتغير المناخي على الأمن الغذائي، تحولاً جذرياً في أسلوب الزراعة التقليدية، إذ إن الزراعة الذكية ليست رفاهية تقنية، بل ضرورة استراتيجية، وركيزة أساسية في بناء مستقبل غذائي أكثر أماناً واستقراراً، من خلال استخدام كل قطرة ماء، وكل شبر أرض بكفاءة، ما يمكن في النهاية من تحقيق إنتاج غذائي مستدام وآمن، حتى في بيئات تزداد فيها ندرة الموارد.