دمشق-سانا
من بين سنابل الروح حيث تنمو القصيدة قبل أن تولد، يطلّ الشاعر مصطفى عكرمة مستعيداً محطات واسعة من تجربته الأدبية ومسيرته الإنسانية، شاعرٌ يرى الشعر قيمةً قبل أن يكون صناعة، ورسالةً قبل أن يكون شكلاً لغوياً.
في هذا الحوار مع سانا، يفتح عكرمة دفاتر طفولته، تجاربه، علاقته بالمؤسسات الثقافية، ورؤيته للمشهد الشعري العربي، كاشفاً عن أثر الريف، القيم، ودفء الإيمان في تشكيل وعيه وإبداعه.
قبول عضوية اتحاد الكتاب
بدأنا حوارنا مع الشاعر مصطفى عكرمة من الحدث الجديد، وهو القرار الأخير لاتحاد الكتاب العرب بإعادة عضويته بعد أن فصل في زمن النظام البائد، حيث يقول عن ذلك: “هذه الخطوة جاءت بشجاعة وجدية تستحق التقدير”.
ويستعيد عكرمة في هذا الصدد مرحلة عضويته السابقة، حيث قدم وقتها طلباً كاملاً ومستوفياً للشروط، وقُبل بعد طول تأخير، لافتاً إلى أنه كان عضواً في اتحاد كتاب مصر قبل عضويته في اتحاد الكتاب العرب، إضافة إلى عضويته الفاعلة منذ أكثر من عشرين عاماً في رابطة الأدب الإسلامي العالمية.
البدايات… الريف الجميل وولادة الحس الشعري
في معرض إجابته على ثاني أسئلتنا رجع عكرمة القهقرى إلى طفولته الريفية الأولى، تلك البيئة النقية التي تركت أثرها العميق في لغته وصورة شعره، ورغم عدم وجود خلفية أدبية في أسرته، إلا أنه يتذكر بإعجاب تفاعل والده مع الشعر في سيرة عنترة وغيرها من المرويات.
ويرى عكرمة أن صفاء الطبيعة، وتناسق المحيط الريفي، شكّلا حسه اللغوي وميله إلى “صفاء الديباجة وحسن السبك”، فهو لم يدرس الشعر أكاديمياً، ولم يتتلمذ على أي مدرسة، بل جاءت تجربته من “الشعور والحياة وصدق التعامل”.
تجارب التأثر وأهمية القيم في الشعر
لا يربط عكرمة نفسه بتأثر مباشر بشاعر معين، لكنه يعترف بأن وجدانه اهتزّ لقصائد كبار الشعراء قدامى ومحدثين، منهم: أحمد شوقي، بدوي الجبل، عمر أبو ريشة، أبو العتاهية، جرير، الخطيب، ومجنون ليلى.
كما تأثر بنصوص سيد قطب، وبالأناشيد المدرسية التي تعلّمها في الابتدائية لشعراء مثل الطرابي وسلطان، ويعدّ كتاب “الرائد” الذي دُرّس في الإعدادية “كنزاً من كنوز الأدب” برأيه.
ويؤكد عكرمة أن الريف العربي زرع فيه قيماً لا تزال حية في حياته وكتاباته: حب الإسلام، الرجولة، الجدّ، والحياء، ويقول: “إن هذه القيم بقيت ثابتة ولم تتبدل رغم تقلبات الحياة”.
ويشير عكرمة إلى أن القيم بوصلته في الحياة والكتابة، ويكرر عبارته المحببة: “الشعر يأتيني قبل أن أكتبه”، وهو ما يزال يكررها في كل لقاءاته داخل سوريا وخارجها.
شعر الأطفال… حنين الأب وصوت القيم
اتجه عكرمة إلى شعر الأطفال بدافع شعوره بضرورة تقديم شعر يعبّر عن الحياة والتراث والعقيدة، وكان أباً لستة أطفال وهو في الثلاثين من عمره، ما عزّز ميله لكتابة هذا اللون، ويذكر بفخر وصول بعض قصائده مبكراً إلى فريق عمل برنامج “افتح يا سمسم”، الأمر الذي دعم حضوره في هذا المجال.
الشعر المعاصر… بين الأصوات الحرة والرؤية الناقدة
لا يعدّ عكرمة نفسه متابعاً جيداً لحركة الشعر المعاصر، ويرى أن كثيراً منه تأثر بتدخل النظام البائد في المشهد الثقافي، منقاداً لأجواء الفساد لولا بعض الأصوات الحرة، ومن أجل ذلك أدى اندلاع الثورة السورية لفرز عدد كبير من الشعراء الذين شكلوا البديل الأصيل والصوت الحر بعد حقبة من الظلم والقهر، معرباً عن تفاؤله بأن يواصل اتحاد الكتاب والمبادرات الشبابية دورهما في رعاية الكتاب الأحرار.
المشهد الثقافي… رهن البيئة والدعم
يرى عكرمة أن ازدهار الثقافة مشروط بتوفر بيئة داعمة ورعاية حقيقية، وأن المرحلة الحالية بالغة الخطورة، ما يستدعي قدراً أعلى من الصدق والإخلاص والاتزان بعيداً عن الإفراط والتفريط.
يعدّ عكرمة أهم محطات حياته لحظة إدراكه ضرورة حضور قوى الحق في القصيدة حتى تؤدي الدور المطلوب منها، ويستشهد في هذا الصدد بحديث النبي الكريم صلى الله عليه وسلم “اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع”، واعتبر أن العلم الذي لا يتسلح بالقيم هو أسوأ أنواع العلم، فيما يبقى إعداد الشعر بالصدق والإخلاص أساس قيمته.
تكريمات وجوائز
يقول عكرمة: “إن الجوائز التي حصل عليها “تجاوزت ربع المئة”، وقد وصلته من جهات بعيدة وقريبة، ويحتفظ بها جميعاً، ويكشف أنه كتب عن غزة أكثر من خمسين قصيدة تنتظر النشر، “وفاءً لهذا الصوت الذي لا يهتز”.
نصيحة للجيل الجديد
يختتم الشاعر حديثه بالتأكيد على أن الإخلاص في القول والعمل هو مفتاح النجاح، داعياً إلى وضع الكلمة في مكانها اللائق، ويقول: “نعيش أصعب مرحلة من مراحل التصحيح والبناء”، موجهاً تحيته لكل من يعمل “بصدق وإخلاص لإنسانية الإنسان وحريته”.
سيرة ذاتية
مصطفى محمد عدنان عكرمة من مواليد 1943 – قرية بابنا، شمال شرقي الحفة، محافظة اللاذقية، نشأ في بيئة ريفية شكّلت قيمه وميله الفطري إلى الشعر بدأ الكتابة في سن مبكرة دون دراسة أكاديمية، متأثراً بالطبيعة وبأمهات الشعر العربي قديمة وحديثة.
عمل سنوات في التلفزيون السوري وشارك بفعالية في برامج الأطفال، حيث كتب نصوصاً وأغاني وصلت إلى برنامج “افتح يا سمسم”، وأصدر عدداً من الدواوين والكتب في الشعر الإسلامي والوطني وشعر الأطفال، ونال جوائز عربية عديدة.
يحمل عضوية اتحاد الكتاب العرب ورابطة الأدب الإسلامي العالمية، ويتميز شعره بالصدق الوجداني والالتزام القيمي، ورؤية تعتبر الشعر علماً وقيمة قبل أن يكون صنعة لفظية.