دمشق-سانا
تناولت المحاضرة التي أقامتها هيئة الموسوعة العربية للدكتور مازن هاشم اليوم، العلاقة بين التراث والتجديد والصياغة الحضارية للفكر الإسلامي المعاصر.

المحاضرة التي استضافتها المكتبة الوطنية حملت عنوان “أبعاد التجديد وتوجهاته التوجيه التبجيلي – التوجه الحداثي – التوجه التركيبي”، شهدت حضوراً لافتاً من الباحثين والمهتمين بالشأن الفكري، احتفاء بالباحث هاشم بعد عودته إلى الوطن لأول مرة منذ 45 عاماً من الغياب.
ماهية التراث ودوره في تشكيل العقل المسلم
أكد الدكتور هاشم أن التراث هو حصيلة تفاعل المسلمين عبر الأجيال مع القرآن الكريم والسنة النبوية، من خلال تنزيل مقاصدهما على واقعهم المتغير، إضافة إلى الاستفادة من تراث الأمم الأخرى عبر الحوار والنقد والتفاعل المعرفي.

وأشار إلى أن القرآن والسنة لا يُدرجان ضمن مصطلح التراث، لأنهما يمثلان الثوابت المطلقة، بينما التراث هو نتاج بشري مرتبط بظروف المكان والزمان، لكنه مع ذلك يمثل قيمة معرفية كبرى لما يتضمنه من علوم متنوعة تشمل الفقه، والكلام، والفلسفة، والعلوم الطبيعية.
إشكالية المصطلحات ودورها في تشكيل الوعي
برأي هاشم، فإن المصطلحات في التراث الإسلامي محمّلة بمنظومات معرفية كاملة، لا يمكن تفريغها أو إعادة تشكيلها خارج إطارها الأصلي، داعياً إلى الحفاظ على دقة المصطلح عند نقله أو ترجمته.
وعرض الدكتور هاشم ثلاثة توجهات رئيسية في التعامل مع التراث وضرورة التجديد:
التوجه النقلي التبجيلي:
يركّز على نقل التراث كما هو، مع توسع محدود لتقديمه للقارئ المعاصر، يرى أتباع هذا التوجه أن جميع حلول مشكلات العصر موجودة ضمن التراث، ويقلّلون من شأن الاجتهاد المعاصر.
التوجه العصري الحداثوي
يسعى إلى انتقاء ما يتوافق مع الحضارة الغربية الحديثة، ولو على حساب المنظومة المفاهيمية الإسلامية، وينظر إلى التراث بوصفه تعبيراً عن “تأخر تاريخي”، مع منح الأولوية للمفاهيم الحداثية على النصوص.
التوجه التركيبي (التجديدي):
الأكثر انسجاماً مع طبيعة التجديد في الإسلام، إذ يسعى إلى اكتشاف “الصبغة الإسلامية” الكامنة في القرآن والسنة باعتبارها أشبه بـ “الشفرة الجينية” وفقاً لتعبير هاشم، والتي تمكّن من توليد حلول جديدة ملائمة للزمان والمكان، دون قطع الصلة بالأصول.
ورأى الدكتور هاشم أن القرآن الكريم ثابت في كلياته ومقاصده، بينما ترتبط بعض أحاديث السنة بسياقات زمانية ومكانية معينة، خصوصاً في موضوعات المعاملات والمال، بخلاف قضايا الأسرة التي بقيت ثابتة في طبيعتها عبر الأزمنة.
التراث بين التقديس والرفض

أوضح الدكتور هاشم أن تراثنا، رغم ثرائه، شهد مراحل من الجمود والانغلاق، وهو ما نبّه إليه ابن خلدون قديمًا، لكنه انتقد في الوقت نفسه التوجه الحداثوي الذي يرى التراث مجرد “عبء تاريخي”، واعتبر هذا الموقف مجافياً للمنجز العلمي الهائل للحضارة الإسلامية، في حين ينظر التوجه التركيبي إلى التراث بوصفه جهداً بشرياً راقياً، لكنه غير معصوم، ويحق للأجيال اللاحقة نقده وتجاوزه وفق ضوابط المنهج.
الأمة والتموضع الحضاري
توقف الدكتور هاشم عند موقع الأمة اليوم في ظل التحولات العالمية، مؤكداً أن التوجه الحداثوي يعجز عن رؤية مفهوم الأمة، بينما يدرك التوجه التركيبي أن القرآن يخاطب أمة موحدة القيم والمصير، وأن التجديد ينبغي أن يستعيد هذا الوعي الحضاري.
اختتم الدكتور مازن هاشم محاضرته بالتأكيد على أن التجديد أصالةٌ لا تبعية، وأن الحوار مع التراث يجب أن يكون من موقع الفهم والنقد البنّاء، داعياً إلى إحياء العقل الاجتهادي الذي ميّز الحضارة الإسلامية عبر تاريخها.
نبذة عن الدكتور مازن هاشم
يشار إلى أن مازن هاشم حاصل على دكتوراه في علم الاجتماع من الولايات المتحدة الأمريكية، وعضو في جمعية علماء الاجتماع الأمريكية، درّس في جامعات أمريكية وتركية، وله مؤلفات عديدة في مقاصد الشريعة وقضايا الهجرة والوجود العربي في أمريكا الشمالية.