دمشق-سانا
تجسد جمال الفسيفساء الحجرية السورية وعراقتها خلال الفعالية التي أقامتها مديرية التراث اللامادي بوزارة الثقافة في متحف دمشق الوطني اليوم، بصورة تظهر الموروث السوري الحي وتنوعه الثقافي والإنساني.
الفعالية التي أقيمت احتفاءً باليوم العالمي للتراث الثقافي اللامادي، تضمنت معرضاً للفسيفساء الحجرية، قدم خلاله الفنان هشام كيلاني 21 لوحة فنية من أعماله بالفسيفساء الحجرية، عكست مهارته وقدرته على توظيف الحجر الطبيعي في لوحات فنية ذات طابع تشكيلي معاصر.
تكريم الفنان هشام كيلاني

معاونة وزير الثقافة لونا رجب التي كرمت الفنان كيلاني بشهادة تقدير، اعتبرت خلال كلمتها أن أعماله فريدة من نوعها في مجال الفسيفساء الحجرية، منوّهة بجهوده المثمرة لأعوام في الحفاظ على هذا الفن التراثي وإبرازه بأسلوب حديث.
وفي تصريح لـ سانا، أوضح الفنان كيلاني أن الهدف من إقامة المعرض هو إبراز جماليات الفن السوري والحفاظ على التراث الوطني الذي يعود عمره لآلاف السنين، مشيراً إلى أنه استخدم في لوحاته الحجر الطبيعي والفضة والذهب بأسلوب يجمع بين الإبداع والاختراع، مؤكداً أن الفسيفساء فن تشكيلي إنساني يحاكي الجمال بلغة عالمية يفهمها الجميع.
ورشة عمل تدريبية في الفسيفساء الحجرية
تلا افتتاح المعرض ورشة عمل تعريفية بتقنيات الفسيفساء الحجرية، بمشاركة طلاب من المعهد التقاني للفنون التطبيقية، وعدد من المهتمين، بهدف التعريف بتقنيات تنفيذ اللوحات الفسيفسائية الحجرية، وأساليب اختيار الأحجار وتقطيعها وتثبيتها لتكوين لوحة متكاملة تجمع بين الدقة الحرفية والخيال التشكيلي.

وأوضح الفنان وائل دهان، المشرف على الورشة، أنها تمثل جسراً بين الجيل الجديد والحرف التقليدية السورية، وتأتي في إطار الجهود المبذولة للحفاظ على التراث الثقافي اللامادي ونقله للأجيال بأساليب معاصرة.
وأضاف دهان: إن فكرة المعرض جاءت بعد أن دُعي إلى تقييم أعمال الفنان كيلاني، حيث وجدها ذات أهمية فنية كبيرة تستحق العرض، مؤكداً أن الفسيفساء ليست فناً زخرفياً فحسب، بل لغة فنية تعبّر عن الهوية السورية.
وأكد المشاركون في الورشة أن التجربة أتاحت لهم فرصة التعرف العملي على مراحل إنتاج الفسيفساء، بدءاً من التصميم الأولي وصولاً إلى تنفيذ اللوحة النهائية، ونوهوا بأهمية هذه المبادرات في إحياء الحرف التراثية وإبراز قيمتها في المشهد الثقافي السوري المعاصر.
محاضرات حول الفسيفساء والموسيقا الشعبية
كما تضمنت الفعالية ثلاث محاضرات، بدأها الفنان وائل دهان بمحاضرة بعنوان «فن الفسيفساء الحجري»، تناول فيها الجانب الفني والتقني، موضحاً كيفية تحويل اللوحة الفسيفسائية من عمل ثابت إلى لوحة تشكيلية حية قادرة على الانتشار في العالم ونقل الجمال السوري.
ثم قدم الخبيران ياسر يوسف ومحمد كايد محاضرة بعنوان «نشوء وتطور الفسيفساء السورية وأساليب ترميمها»، قدما خلالها عرضاً علمياً شاملاً لتاريخ هذا الفن ومراحل تطوره في سوريا منذ الألف الرابع قبل الميلاد حتى القرن السادس الميلادي.

وأكد يوسف أن الفسيفساء السورية ارتبطت تاريخياً بالحياة اليومية للسكان، وتطورت مشاهدها من الزخارف الأرضية إلى الجداريات المعمارية، مبيناً أن المشاهد المصوّرة كانت انعكاساً للواقع ، وأن هذا الفن ازدهر في الفترة الرومانية حين أصبحت الفسيفساء حرفة متكاملة.
من جانبه أوضح كايد، الآليات العلمية والفنية المعتمدة في ترميم اللوحات الفسيفسائية، وكيفية التعامل مع القطع المكتشفة في المواقع الأثرية، وتوثيقها ونقلها إلى المخابر المتخصصة لترميمها ومعالجتها، وصولاً إلى عرضها للزوار وفق المعايير الدولية لحماية الآثار.
كما قدمت الصحفية والباحثة زينة شهلا محاضرة بعنوان «على خطى الموسيقا» احتفاءً بالموسيقا الشعبية في بلاد الشام وبلاد ما بين النهرين، ضمن مشروع منظمة العمل للأمل الهادف إلى توثيق الموسيقا الشعبية في المنطقة.
واستعرضت شهلا جزءاً من العمل التوثيقي الذي يتناول الآلات الموسيقية الشعبية، مثل الربابة والمجوز، والغناء الفلكلوري في سوريا والعراق والأردن، مبينة أهمية هذا التوثيق في الحفاظ على التراث الموسيقي الشعبي بوصفه جزءاً أصيلاً من الهوية الثقافية المشتركة لشعوب المنطقة.
لمحة عن الفنان هشام كيلاني

يشار إلى أن الفنان هشام كيلاني من مواليد حماة عام 1942، ويعد من أبرز الحرفيين السوريين المتخصصين في فن الفسيفساء الحجري،
تميّز بابتكار أسلوب فني خاص يعتمد الألوان الطبيعية للأحجار دون استخدام أصبغة، منفذاً العديد من اللوحات التي نالت شهرة عالمية، جمعت بين المدرسة التقليدية السورية والابتكار الفني الحديث.
الفسيفساء الحجرية السورية
تعد الفسيفساء الحجرية من أعرق الفنون التشكيلية في التاريخ، وتعتمد على تجميع قطع صغيرة من الحجر أو الزجاج أو الرخام أو الخزف لتشكيل لوحات فنية.
وازدهرت هذه الحرفة في سوريا منذ العصور القديمة، ولا سيما في العهدين الروماني والبيزنطي، حيث اشتهرت مدن مثل شهبا ومعرة النعمان وتدمر بأعمال فسيفسائية عالمية ما تزال شاهدة على الإبداع السوري حتى اليوم.


