دمشق-سانا
حمل العدد الجديد من مجلة الموقف الأدبي الشهرية الصادرة عن اتحاد الكتّاب العرب تنوعاً غنياً في المواد الصحفية من الدراسات النقدية، والشهادات الشخصية، والنصوص الإبداعية التي تقاطعت جميعها عند سؤال واحد: ماذا يعني أن نكتب في زمن التحولات العنيفة والحروب الطويلة؟
افتتاحية… الأدب بوصفه امتحان الضمير
يفتتح رئيس التحرير محمد منصور العدد بمقالة بعنوان الأدب السوري وامتحان الضمير، مؤكداً أنّ الكتابة لم تعد مجرّد مساحة جمالية أو تعبير ذاتي، بل أصبحت امتحاناً أخلاقياً للكاتب والمثقف، وأشار إلى أنه في زمن الخراب، يُختبر الأدب بقدرته على حمل صوت الناس، وتسجيل شهادات حية لا تسمح للنسيان أن ينتصر.
مقالات ودراسات: الأدب في مواجهة الحرب
ضم باب الدراسات أبحاثاً معمّقة تكشف وجوه الأدب السوري خلال العقد الأخير، حيث كتب محمد طه العثمان مقالاً تحت عنوان: تأثيرات الحرب في الشكل السردي وانتماء المثقف، رصد فيه ظاهرة الهروب والتصدي وتحولات السرد تحت ضغط الحرب، وبحث الكاتب عن أشكال جديدة للهروب أو المواجهة.
وتطرق إسلام أبو شكير في مقالته عن التجربة الأدبية بعد 2011 مشبهاً إياها بالكتابة قبل الموت، في سياق الشهادة على زمن الدم والنار، وكتب عبد النبي اصطيف عن فسحة الجوع والخوف كرمز مركزي في نصوص الحرب، بينما استعاد راتب سكر سيرة الطبيب والأديب محمد صالح قنباز، مثالاً على التقاء الطب بالخيال الأدبي.
كما نجد مقالات متفرقة عن هشاشة المجتمع تحت شمس الحرب، والمرآة المتصدعة لوطن متغير، وعن شعراء تاهوا بين عبودية الحرية وديكتاتورية القمع، فيما خصّص نوار الماغوط دراسته للشعر السوري، متتبعاً انتقاله من مملكة الصمت إلى صوت الذاكرة.
شهادات وتجارب: صوت الأنا في وجه السلطة
اكتسب هذا الباب نكهة شخصية مؤثرة، حيث كشفت حسيبة عبد الرحمن في نصها روايات مختومة بالشمع الأحمرعن تاريخ الرقابة والمنع، فيما دوّن أيمن أبو الشعر ذكريات لا تُنسى في القبضة الأقسى، أما إبراهيم الجبين فكتب عن “التغيير الكبير” الذي أصاب الأدب السوري، وضاهر عطية أطل من نافذته على سوريا في حقبة النظام البائد بنبرة تمزج بين النقد والوجع.
إبداع متنوع: من الشعر إلى القصة
في باب الشعر، نقرأ قصائد تحمل هواجس الوطن والذات، من بينها خمسة قيود دائرة لمحمد سعيد العتيق، ومراياها لنور الدين إسماعيل، وكأنها الشام لـ خليل إبراهيم الأسود.
أما القصص القصيرة، فهي مفعمة بالرمزية والأسئلة الوجودية، منها الركض نحو مركز الكون لموسى رحوم عباس، مهندس السراب لأمين الساطي، نجوم راقصة لربا ياسين، ومحطات للحب الخمس لريم البغوصي.
كلمة أخيرة… الأدب كتوثيق وتغيير
اختتم العدد بمقالة مهنا بعل الرشيد بعنوان: توثيق التاريخ وصناعة التغيير، ذكّرنا الكاتب بأن الأدب ليس انعكاساً سلبياً للواقع، بل أداة فاعلة في مقاومة القمع وصناعة المستقبل، حتى ولو بالكلمة وحدها.
يمكن القول: إن هذا العدد يشبه بانوراما واسعة للأدب السوري في لحظة انكسار تاريخي عرفتها الثقافة في سوريا زمن النظام البائد، بصورة تجمع بين البحث الأكاديمي، والشهادة الشخصية، لنصوص أدبية، توثق ذاكرة السوريين عبر الأدب، وتؤكد أن الكتابة كانت وسيلة لمقاومة الاستبداد.