دمشق-سانا
بأعين يائسة تحلم برغيف خبز يسد رمق الجوع، انتظر أطفال جنوب دمشق طوال سنوات الثورة دورهم للحصول على ما تيسر من شوربة البهارات بين الركام، مجازفين بحياتهم تحت قصف طائرات ونيران قوات النظام البائد، ليخوضوا بذلك حرب الأمعاء الخاوية، ويسطروا ملحمة عظيمة بدمائهم.
التجويع والتعطيش تزامناً مع القتل والقصف
هي سياسة التجويع والتعطيش التي فرضها نظام الأسد على المناطق التي انتفضت ضده منذ عام 2011، والتي استهدفت المدنيين من الأطفال والشيوخ والنساء، وأدت لاستشهاد المئات جراء الجوع حسب ما وثقته تقارير أممية من أرض الواقع والتي وصفت ما يجري ب //جرائم حرب ضد الانسانية//.
صورٌ وفيديوهاتٌ وتسجيلاتٌ كثيرة وثقّت من الجنوب الدمشقي لمدنيين أغلبهم رضع وأطفال وكبار السن، وقد هزُلت أجسادهم، وآخرين يتناولون الأعشاب وفتات الخبز وبقايا الطعام، أو توفوا جراء التجويع والتعطيش، وانتشار الأمراض النادرة وفقدان الدواء والعلاج، جراء الحصار المطبق الذي كان يهدف لإخراجهم من مناطقهم، ليتحولوا إلى عامل ضغط على الثوار، إضافةً للقصف بالبراميل المتفجرة.
قطع مياه الشرب عن السكان
جريمة قطع المياه تُضاف للسجل الدموي للنظام البائد الذي أوقف تغذية مخيم اليرموك عبر شبكة المياه القادمة من المناطق المجاورة في شهر أيلول 2014، ما فرض على المؤسسات الإغاثية وقتها استصلاح وتشغيل بعض الآبار الارتوازية، لكن بعض الأهالي اضطروا لشرب المياه الملوثة، وتم تشخيص حالات إسهال حاد والتهاب أمعاء والعديد من حالات التسمم والتلبك المعوي والرمل وغيرها من الأمراض وخاصةً بين الأطفال، رغم المحاولات المتواضعة لتنقية المياه ضمن المناطق المحاصرة.
منمنمات الحياة تحت الحصار.. شهادة حيّة من صحفي
وفي تفاصيل مكافحة الجنوب الدمشقي لحرب التجويع، يوضح الصحفي السوري ضياء محمد لـ سانا الثقافية أنه في خضم الحصار وبعد نفاد الطعام والمواد الغذائية والطحين، تعددت طرق إيجاد البدائل لكل شيء مفقود، لدرجة لم يكن شيئاً مستغرباً لاستخدامه.
ومن هذه البدائل وفقا لضياء طحن العدس بدلاً من القمح لصناعة الخبز، وتنكيه الماء بما توفر لدى المحاصرين من بهارات لتتحول إلى (شوربة البهارات)، ولكن بعد مدة زمنية بسيطة اختفى دقيق العدس، فلجأ آخرون أحيانًا لصنع (خبز الكزبرة).
ورق الصبّار وقطع المخلل والفجل وجدت طريقها أيضاً لحياة المحاصرين عبر القلي بالزيت وفقاً لتوثيق الصحفي ضياء، كما تناولوا أعشاباً منوعة مثل (رجل العصفورة) وهي عشبة قريبة من السبانخ، والخبيزة والبقدونس، بالتالي تحولت الخضراوات إلى الغذاء الأساسي للسكان تقريباً، لافتاً إلى أن الأهالي كانوا يبتكرون أطباقاً تناسب الحصار.
ويشير الصحفي ضياء إلى أن بعض الأهالي اضطروا لتناول معلبات منتهية الصلاحية، ما سبب انتشار أمراض معوية مثل الإسهال والانتفاخ، لكنها لم تكن قاتلة في معظم الحالات.
غلاء فاحش للأسعار
ارتفعت أسعار المواد الغذائية تدريجياً حسبما يؤكده الصحفي ضياء بين عامي/2013-2014/، فتضاعفت أسعار الأرز والبرغل والسكر نحو /100/ ضعف عن المناطق التي سيطر عليها نظام الأسد، ولجأ بعض الأهالي إلى استخدام أدوية السكرين كبديل عن السكر في الشاي.
فيما كانت الفيتامينات والمقويات الضرورية لحياة أي إنسان، وخاصةً الأطفال وذوي الاعاقة ضرباً من الخيال وفقاً للصحفي ضياء، أما بالنسبة لكبار السن، فلم يكن هناك رعاية بالمعنى الدقيق، وذلك بسبب نفاد أدويتهم جراء الحصار المميت الذي خضعت له المنطقة.
اللجوء للبساتين والأراضي
يقول الصحفي ضياء: “فقدت المنطقة مساحات زراعية واسعة، ما جعل السكان محاصرين في بيئة حضرية، باستثناء بلدات يلدا وببيلا وبيت سحم، حيث استمر بعض السكان بممارسة الزراعة، لكنها لم تكن كافية لسد احتياجات الجميع، وخاصة مع ارتفاع الأسعار”.
ويضيف: “أظن أن البيئة التي يعمل سكانها بالزراعة كانت الأكثر قدرةً على التكيف مع الحصار، حيث اعتادت في حياتها سابقاً على تجفيف وتموين المونة المنزلية، وهم يشكلون نسبة ضئيلة مقارنة بسكان المناطق الأخرى والمناطق المهجّرة”.
التجويع يتسلل من الحصار المطبق إلى العالم
تلك المآسي لم تبقَ حبيسة سوريا كما أراد النظام، بل بادرت منظمة العفو الدولية في آذار /2014/ لإصدار تقرير حول ما يجرى بحق الفلسطينيين والسوريين في مخيم اليرموك بعنوان /امتصاص الحياة من مخيم اليرموك/، متحدثةً عن وفاة نحو مئتي شخص منذ تشديد الحصار في تموز/ 2013/، ومنع دخول المعونات الغذائية والطبية، وصنعت عدة أفلام وثقت لحجم المعاناة مثل الفيلم الوثائقي (حب في الحصار) لمطر إسماعيل، وفيلم (رسائل من اليرموك) لنراز سعيد.