دمشق-سانا
يشهد العالم جدلاً واسعاً حول “الذكاء الفائق” الذي يتجاوز القدرات البشرية في التفكير واتخاذ القرار، وبينما تراه بعض القوى فرصة لتعزيز التقدم، يحذر آخرون من مخاطره الوجودية على الأمن الدولي، وخاصة مع السباق المحموم بين الدول الكبرى لتوظيفه كسلاح استراتيجي قد يغيّر موازين القوة ويضع مستقبل البشرية أمام تحديات غير مسبوقة.
الذكاء الفائق… من أداة تقنية إلى قضية وجودية
فتح الذكاء الفائق باباً جديداً للصراع بين الدول الكبرى؛ فالولايات المتحدة تعتبره مصدراً لتجديد قوتها الاقتصادية والعسكرية، بينما تراه الصين عاملاً مفصلياً لتعزيز نفوذها العالمي وسلاحاً قد يحسم معركتها الاستراتيجية مع واشنطن، هذا التحول يعكس إدراكاً متزايداً بأن الذكاء الاصطناعي لم يعد مجرد أداة تقنية، بل أصبح قضية وجودية تتجاوز المختبرات لتصل إلى جوهر النقاش حول مستقبل البشرية.
تعريف ومخاوف
يشير المصطلح إلى كيان ذكي قادر على تجاوز الإنسان في جميع القدرات المعرفية: التخطيط، والتحليل، والإبداع، والتعلم الذاتي، واتخاذ القرارات الحاسمة، ويخشى الخبراء من قدرة هذه الأنظمة على تحسين نفسها باستمرار بما يفوق قدرة البشر على ضبطها، وخصوصاً مع التنافس الحاد بين الشركات الكبرى والدول العظمى، وأبرز المخاوف تشمل:
التحسين الذاتي غير المحدود: إمكانية إعادة برمجة النظام لنفسه بما يؤدي إلى أفعال غير متوقعة.
تفوق القدرة الحوسبية: امتلاك قوة تحليلية هائلة عبر الحواسيب العملاقة تتجاوز قدرة البشر مجتمعين.
غياب التنظيم الدولي: غياب إطار قانوني عالمي يضبط هذا التطور السريع وسط منافسة محتدمة.
مواقف القوى الكبرى
الولايات المتحدة: تدعم شركات التقنية العملاقة، وتعتبر الذكاء الاصطناعي ركيزة لتجديد قوتها الاقتصادية والعسكرية، مع دعوات لوضع ضوابط تحمي الأمن القومي.
الصين: تستثمر بكثافة في البنية الحوسبية والتطبيقات الدفاعية والمدنية، وتراه أداة لتعزيز نفوذها العالمي.
الاتحاد الأوروبي: يتبنى موقفاً أكثر تحفظاً، ويعمل على إقرار تشريعات صارمة ومعايير أخلاقية لتنظيم استخدام الذكاء الاصطناعي.
دول الجنوب العالمي: تدعو إلى نموذج عالمي عادل يمنع احتكار التكنولوجيا ويضمن حماية السيادة الرقمية، ومنع تحويل الذكاء الاصطناعي إلى أداة للهيمنة الجيوسياسية.
البعد العسكري… الأخطر في المعادلة
يمثل القطاع العسكري أكثر المجالات حساسية، حيث تشمل التطبيقات المحتملة أنظمة قيادة وتحكم ذاتية، وطائرات مسيّرة قادرة على تحديد الأهداف وتغيير المسار دون تدخل بشري، إضافة إلى أنظمة دفاعية واستخبارية متقدمة، ويرى خبراء الأمن الدولي أن ظهور ذكاء فائق غير مضبوط قد يقود إلى سباق تسلح جديد، ويهدد باندلاع نزاعات يصعب السيطرة عليها.
وفي هذا السياق، تدعو شخصيات علمية وسياسية إلى إنشاء إطار دولي يشبه معاهدات منع الانتشار النووي، يضم قواعد صارمة حول قدرات الحوسبة المتقدمة، ومتطلبات إلزامية لتقييم المخاطر.
مستقبل تحت الاختبار
يحمل الذكاء الاصطناعي وعوداً هائلةً في الطب والبحث العلمي وإدارة الموارد، لكن ظهور “ذكاء فائق” يضع العالم أمام مفترق طرق، إما أن يتحول إلى خطر وجودي خارج السيطرة، أو يصبح أداة لتعزيز التقدم البشري إذا وُضع تحت رقابة صارمة ومعايير أخلاقية واضحة، وهو أمر مرهون بتوافق دولي واسع.