دمشق-سانا
مع تسارع الابتكارات التقنية، أصبح الذكاء الاصطناعي ركيزة أساسية في القطاع الصحي، يعيد رسم آفاق تشخيص الأمراض وإدارة البيانات الطبية وتقديم العلاج، ليقود البشرية نحو ثورة طبية جديدة مليئة بالفرص والتحديات.
التطبيقات العملية في التشخيص والجراحة الروبوتية
يعرف الذكاء الاصطناعي بأنه محاكاة للعقل البشري عبر أنظمة الحاسوب من خلال تطوير برامج قادرة على تقليد التفكير الإنساني، حل المشكلات، واتخاذ القرارات، مع تحقيق مستويات عالية من الدقة وسرعة الإنجاز، وفي المجال الطبي بات الذكاء الاصطناعي أداة محورية في دعم القرار السريري، تحسين جودة الرعاية، وتوسيع نطاق الخدمات الصحية.
وبحسب رأي أكاديميين وخبراء مختصين أثبت الذكاء الاصطناعي فعاليته في مختلف التخصصات الطبية، ولا سيما في تشخيص الأمراض المزمنة مثل السكري والربو، وتطوير الأدوية، وتشخيص الأورام السرطانية، وتحليل الصور الطبية كالأشعة والرنين المغناطيسي.
وفي هذا الصدد، خلصت دراسة أجرتها جامعة هوبكينز الأمريكية الشهر الماضي، بإشراف رئيس قسم المعلومات الطبية والابتكار الدكتور “روبيرت ستيفنز” إلى أن الذكاء الاصطناعي حقق دقة عالية وصلت إلى 85 بالمئة في تحليل تخطيط القلب الكهربائي (ECG)، واستطاع التنبؤ بمضاعفات خطيرة مثل الأزمات القلبية والسكتات الدماغية ومضاعفاتها خلال 30 يوماً بعد الجراحة.
كما شهد الذكاء الاصطناعي قفزة في مجال طب العيون حيث أكدت الدكتورة “ويني هو” من جامعة ملبورن الأسترالية في نيسان 2025 إمكانية استخدام الذكاء الاصطناعي لتحليل صور شبكية العين بهدف التنبؤ بمخاطر الإصابة بطريقة غير جراحية وسريعة، كما يمكن دمج مسح شبكية العين السريع وغير الجراحي المدعوم بالذكاء الاصطناعي بسهولة في مراكز الرعاية الصحية.
باحثون من جامعتي “هارفورد” البريطانية و”ستانفورد” الأمريكية، أكدوا في دراسة نشرت نهاية 2024 أن نماذج الذكاء الاصطناعي تفوقت على الأطباء في تشخيص الحالات المعقدة بنسبة 78.3 بالمئة ما يعكس إمكانيات الذكاء الاصطناعي في دعم القرار الطبي، كما كتب الدكتور “يورغي كامبلونغ” المتخصص بالذكاء الاصطناعي في جامعة “أكسفورد” البريطانية مقالاً في صحيفة الشرق الأوسط، أوضح فيه أن “عصر البيانات الهائلة سيجعل الذكاء الاصطناعي قادراً على تصميم علاجات جينية مخصصة لكل مريض”.
وفي دراسة نُشرت في مجلة “البيت العربي” (العدد 796) أشارت إلى أن نماذج التعلم العميق تُستخدم على نحو متزايد في تحليل الصور الطبية، ما يتيح اكتشاف العلامات المبكرة للأورام وأمراض القلب والأوعية الدموية والاضطرابات العصبية بدقة وسرعة غير مسبوقتين.
كما برز دور الذكاء الاصطناعي في العمليات الجراحية من خلال الروبوتات الطبية، التي باتت قادرة على تنفيذ أكثر الإجراءات تعقيداً بدقة متناهية، ما يقلل من الأخطاء البشرية، ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية، تجرى سنوياً نحو 300 مليون عملية جراحية حول العالم، منها 11 مليون عملية باستخدام الروبوتات حتى مطلع عام 2023، أما شركة “إنتيوتف سورجيكال” المصنعة لنظام “دافينشي” للجراحة الروبوتية، فقد أعلنت عن تنفيذ أكثر من 2.3 مليون عملية باستخدام هذا النظام خلال عام 2022 فقط.
فوائد ملموسة على مستوى النظام الصحي
تتجلى أبرز فوائد الذكاء الاصطناعي في الطب بتسريع التشخيص، وتحسين دقة العلاج، وخفض التكاليف التشغيلية، وتسريع الاستشفاء حيث تشير دراسة نشرتها مجلة “هارفارد بيزنس ريفيو” إلى أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يقلل زمن التشخيص بنسبة تصل إلى 70 بالمئة، ويخفض التكاليف التشغيلية بنسبة تصل إلى 30 بالمئة في بعض المشافي.
فضلاً عن ذلك، يسهم الذكاء الاصطناعي في تقديم الرعاية الصحية عن بُعد من خلال الزيارات الافتراضية وتحليل البيانات الحيوية للمريض في الوقت الفعلي، وفقاً لدراسة نُشرت في مجلة “الدراسات البيئية والتنمية المستدامة” (المجلد 3، العدد 1، حزيران 2024) حيث تعد هذه التطبيقات خطوة مهمة نحو تعزيز الوصول إلى الخدمات الصحية، وخاصة في المناطق النائية أو التي تعاني من نقص الكوادر الطبية.
التحديات الأخلاقية والتقنية
رغم الإمكانات الهائلة، يواجه الذكاء الاصطناعي تحديات جوهرية، أبرزها: التحيز في الخوارزميات، حماية خصوصية بيانات المرضى والاعتماد المفرط على التكنولوجيا، كما تبرز الحاجة إلى وضع أطر أخلاقية ومهنية واضحة تحكم استخدام هذه التقنيات، وتضمن سلامتها وعدالتها.