دمشق-سانا
في ظل التغيرات المناخية المتسارعة، تحول الجفاف إلى تحدٍ وطني في سوريا، يهدد سبل العيش والموارد الطبيعية، ما استدعى استجابة مؤسسية متكاملة، بدأت وزارة الطوارئ وإدارة الكوارث بالعمل عليها، عبر إطلاق خطة وطنية شاملة للتخفيف من آثار وتداعيات الجفاف، بالتعاون مع الوزارات والمنظمات الدولية والأممية، ومن خلال الانتقال من الاستجابة إلى الوقاية ومن التنبؤ إلى التكيف.
مقترحات علمية
رئيس قسم الإنذار المبكر في وزارة الطوارئ محمد دياب أوضح في تصريح لـ سانا، أن الخطة الوطنية لمواجهة الجفاف جاءت ثمرة اجتماعات وورش عمل فنية تم تنظيمها خلال هذا العام، بمشاركة وزارات الزراعة، والطاقة، والإدارة المحلية والبيئة، وهيئة الاستشعار عن بعد، والمركز الوطني للأرصاد الجوية والمناخ، إلى جانب شركاء مثل منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة “الفاو”، وبرنامج الأغذية العالمي “WFP”، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي” UNDP”.
خلال تلك الورش، قدمت الجهات المشاركة تقارير ومقترحات عملية، أبرزها العمل على إحداث شبكة متكاملة لرصد المياه الجوفية والسطحية، وعدادات ذكية لترشيد الاستهلاك، ونماذج تنبئية للتعامل مع الجفاف بأنواعه الأربعة، تعتمد على الرصد المناخي والاستشعار عن بعد، وبرامج لاستنباط أصناف زراعية مقاومة للجفاف، وتطوير الزراعة الحافظة وحصاد مياه الأمطار، وتحليل آثار الجفاف على الأمن الغذائي، وتقديم سياسات مبنية على الأدلة، إضافة إلى ضرورة تفعيل التشريعات المائية وتعزيز الإدارة المتكاملة للموارد، وتنفيذ مشاريع تشجير، ومعالجة مياه الصرف الصحي، وتدريب المزارعين على تقنيات الري الحديث.
منظومة إنذار مبكر
تعمل وزارة الطوارئ وإدارة الكوارث حالياً على بناء منظومة إنذار مبكر متعددة المخاطر، تعتمد على الرصد العلمي والتحليل الدقيق للمؤشرات المناخية والزراعية والاقتصادية، وفق دياب الذي أوضح أن الوزارة تنسق الجهود الوطنية ضمن خطة استجابة استباقية، عبر استخدام تقنيات الاستشعار عن بعد والذكاء الاصطناعي، لتقديم مؤشرات دقيقة تساعد في اتخاذ القرار الاستباقي، وتخفيف آثار الجفاف على المجتمعات المحلية.
وتتابع الوزارة التنسيق مع عدد من منظمات الأمم المتحدة المعنية، لتفعيل الدعم الفني والمالي وتبادل الخبرات في مجال الإنذار المبكر والعمل الاستباقي، إلى جانب العمل على إطلاق نظام وطني لمراقبة الجفاف والموارد المائية، يعتمد على البيانات الفضائية والأرصاد الأرضية، وإدراج برامج التكيف مع الجفاف ضمن الخطط التنموية للوزارات والهيئات الحكومية، بالتزامن مع تعزيز دور الإعلام الوطني في نشر الوعي المجتمعي، حول ترشيد استهلاك المياه وحماية الموارد الطبيعية.
منصة وطنية خاصة بالجفاف
بيّن رئيس قسم الإنذار المبكر في وزارة الطوارئ أنه تم إنشاء اللجنة التقنية الخاصة بالجفاف كمنصة وطنية، تضم خبراء من الجهات الحكومية والبحثية، مهمتها تنسيق جمع البيانات، وتطوير مؤشرات وعتبات الإنذار، وتحليل المخاطر، وإعداد خطة وطنية شاملة للجفاف تغطي المدى القصير والمتوسط والطويل، وتعمل وفق مرجعية مهام واضحة أعدتها الوزارة، وتركز على توحيد قنوات تبادل المعلومات، وبناء القدرات الوطنية في مجال التنبؤ القائم على الأثر، وتطوير أنظمة مراقبة تعتمد على تقنيات الاستشعار عن بعد والذكاء الاصطناعي.
وأوضح دياب أن الجفاف، يتطلب استجابة جماعية قائمة على العلم والتخطيط والشراكة، وتهدف الجهود الحالية إلى تحويل إدارة الجفاف من نهج الاستجابة، إلى نهج الوقاية والاستعداد المسبق، بما يحقق الحماية والاستدامة للموارد المائية والزراعية.
وتشهد سوريا منذ سنوات تصاعداً ملحوظاً في مظاهر الجفاف، نتيجة التغيرات المناخية الإقليمية والعالمية، ما أدى إلى انخفاض معدلات الهطل المطري، وتراجع مستويات المياه الجوفية، وتأثر الإنتاج الزراعي، والأمن الغذائي، في عدد من المحافظات، تزامن ذلك مع ضغوط إضافية ناجمة عن التوسع العمراني غير المنظم، وتزايد الطلب على الموارد المائية، ما عزز الحاجة إلى تدخل مؤسسي منظم.