دمشق سانا
تشهد الأراضي الفلسطينية المحتلة، ولا سيما قطاع غزة، أزمة اقتصادية هي الأشد منذ عقود، نتيجة حرب الإبادة الجماعية التي يواصل الاحتلال الإسرائيلي ارتكابها بحق الشعب الفلسطيني، ما أدى إلى تدمير ممنهج للبنى التحتية والمنشآت الإنتاجية والخدمية في القطاع، وتراجع المؤشرات الاقتصادية إلى مستويات كارثية، وفق تقديرات البنك الدولي والتقارير الأممية التي حذّرت من أن طريق التعافي سيكون طويلاً وشاقاً وقد تتجاوز كلفته 52 مليار دولار.
وتعد المؤشرات الاقتصادية المتدهورة، من ارتفاع معدلات البطالة وتدمير مقومات الاقتصاد، نتيجة تراكمية لسياسات وإجراءات إسرائيلية متعمدة استمرت على مدى سنوات طويلة، ثم جاءت حرب الإبادة قبل عامين لتفاقم الوضع، مدمرة نحو 85% من المنشآت الاقتصادية والصناعية، ورافعةً معدلات البطالة والفقر إلى أكثر من 80% في قطاع غزة المنكوب.
الإحصاء الفلسطيني: الاحتلال دمر 85 من البنية التحتية في غزة
وزارة الاقتصاد الفلسطينية أكدت في بيان أن العدوان الإسرائيلي المتواصل على فلسطين، وما خلفه من تدمير واسع للبنية التحتية في القطاع وتآكل في القطاعات الإنتاجية، يضاعف من أهمية دعم المنتج المحلي كمسار وطني للنهوض بالاقتصاد وتحقيق الاكتفاء الذاتي التدريجي، كما أظهرت بيانات جهاز الإحصاء الفلسطيني أن الاحتلال دمر أكثر من 85 بالمئة من البنية التحتية في غزة، ما أدى إلى انهيار معظم الأنشطة الاقتصادية وتراجع الإنتاج الإجمالي بنسبة تقارب 25 بالمئة.
وأشارت الوزارة إلى أن القطاعات الإنتاجية شهدت تراجعاً غير مسبوق، حيث انخفضت أنشطة الزراعة وصيد الأسماك بنسبة 30 بالمئة والصناعة التحويلية والمياه والكهرباء بنسبة 33 بالمئة، بينما سجل قطاع الإنشاءات تراجعاً بلغ 57 بالمئة، في حين انخفضت أنشطة الخدمات بنسبة 27 بالمئة.
القطاع الصناعي… 5000 منشأة خارج الخدمة
القطاع الصناعي الفلسطيني في قطاع غزة عانى كثيراً جراء الحصار الإسرائيلي المتواصل منذ 17 عاماً، إلا أن العدوان الأخير الذي بدأه الاحتلال في تشرين الأول 2023 أدى إلى تدمير القطاع الصناعي في غزة.
ووفق مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية “أونكتاد”، فإن نحو 5 آلاف منشأة اقتصادية خرجت من الخدمة، كما انخفض الناتج المحلي إلى أقل من سدس مستواه مقارنة بما قبل الحرب، وهذه الأرقام تعكس انهياراً اقتصادياً شاملاً، وتجعل من إعادة إعمار القطاع الصناعي تحدياً طويل الأمد يتطلب استثمارات ضخمة.
كما أشارت تقارير إعلامية فلسطينية إلى أن حرب الإبادة الإسرائيلية دمرت ما تبقى من القطاع الصناعي الحيوي، حيث تقدر خسائره المباشرة بنحو 6 مليارات دولار، بينما تعدت الخسائر الاقتصادية الكلية إلى نحو 33 مليار دولار مع نهاية عام 2024، واليوم توقف الإنتاج بشكل شبه كامل وتكبد مئات الصناعيين خسائر فادحة.
إسرائيل تمنع دخول الأموال إلى القطاع
الاحتلال الإسرائيلي عمل منذ بدء حرب الإبادة على منع دخول أي أموال نقدية إلى غزة، إضافة إلى تدمير مقار البنوك ومكاتب الصيرفة، وتخريب آلات الصراف الآلي، فضلاً عن انهيار البنية التحتية المصرفية من خزائن وأجهزة كمبيوتر وافتقار خدمات الإنترنت والأجهزة المكتبية وغيرها، ما كبد البنوك خسائر مالية فادحة قدرت بمليارات الدولارات، وحال دون قدرتها على فتح نافذة للإيداع أو السحب، وفرض على أبناء القطاع ظروفاً اقتصادية قاسية زادت من ضراوة الأوضاع.
خسائر كارثية في الإنتاج الزراعي
القطاع الزراعي الذي تعمل به شريحة واسعة من الفلسطينيين أصيب أيضاً بدمار كبير خلفه جيش الاحتلال، حيث تظهر الأرقام حجم الكارثة وانهياراً شبه كامل، ولا سيما في محصول الزيتون الذي يعتمد عليه أغلب الفلسطينيين في القطاع.
الناطق باسم وزارة الزراعة في غزة محمد أبو عودة، أوضح في تصريحات صحفية مؤخراً أن الاحتلال الإسرائيلي قام بتدمير مساحات هائلة من الأراضي الزراعية خلال عدوانه على غزة، مستخدماً أساليب متعددة من التجريف والقصف والغازات السامة، ما أدى إلى انهيار غير مسبوق في الإنتاج الزراعي، إضافة إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج وصعوبة وصول المزارعين إلى أراضيهم، فضلاً عن عمليات القنص التي تستهدف المزارعين، ومخلفات الحرب غير المنفجرة الموجودة في الأراضي الزراعية.
وأضاف أبو عودة: إن قطاع الزيتون تعرض لخسائر أدت إلى انهياره، حيث لم يتبق سوى 4 آلاف دونم من أصل 50 ألف دونم كانت مزروعة بالزيتون قبل الحرب الإسرائيلية، كما انخفض إنتاجه إلى أقل من 3,000 طن، بينما كان قبل الحرب ينتج نحو 40 ألف طن من الزيتون سنوياً، ما يعني خسارة ما نسبته 92 بالمئة من الإنتاج الكلي.
وتؤكد التقارير الفلسطينية والأممية أن العدوان الإسرائيلي وما خلفه من دمار واسع طال كل القطاعات الإنتاجية، يضع الاقتصاد الفلسطيني أمام تحديات غير مسبوقة تتطلب دعماً دولياً عاجلاً وإجراءات جادة لرفع الحصار وإعادة إعمار ما دمره الاحتلال.