دمشق-سانا
في ثلاثينيات القرن الماضي، اهتزّ العالم على وقع اكتشاف علمي خطير غيّر مجرى التاريخ: الانشطار النووي، هذا الاكتشاف لم يكن مجرد إنجاز علمي، بل تحوّل إلى أحد أبرز أدوات الرعب والردع والضغط السياسي، وخاصة بين القوى العظمى المتنازعة، ممهداً الطريق لظهور “السلاح النووي” كأحد أعمدة التوازنات الدولية.
وبحسب تقرير صادر عن الحملة الدولية لإلغاء الأسلحة النووية لعام 2024، فقد تجاوز الإنفاق العالمي على الأسلحة النووية حاجز الـ 100 مليار دولار، بزيادة تفوق 10% عن العام السابق، بينما بلغت أرباح المستثمرين في هذا القطاع نحو 40 مليار دولار خلال عام واحد فقط.
إنفاق 100 مليار دولار
وقد تصدّرت الولايات المتحدة قائمة الدول الأكثر إنفاقاً بمبلغ 56.8 مليار دولار، تلتها الصين بـ12.5 مليار دولار، ثم بريطانيا بـ10.4 مليارات، أما الدول التي تُعد نووية رسمياً فتشمل: الولايات المتحدة، وروسيا، والصين، وبريطانيا، وفرنسا، والهند، وباكستان، وكوريا الشمالية، إضافة إلى امتلاك إسرائيل ترسانة نووية غير معلنة رسمياً.
ورغم الجهود الدولية للحد من انتشار هذه الأسلحة، لا تزال بعض الدول مثل الهند وباكستان ترفض الانضمام إلى معاهدة عدم الانتشار النووي التي دخلت حيز التنفيذ عام 1970، والتي تهدف إلى منع الانتشار النووي، وتعزيز الاستخدام السلمي للطاقة الذرية، وتحقيق نزع السلاح، وزاد الطين بلّة انسحاب كوريا الشمالية من المعاهدة، وتصاعد التوترات بين واشنطن وموسكو بشأن تطوير أسلحة نووية جديدة.
في هذا السياق، يبدو أن العالم يشهد تحوّلاً مقلقاً من مرحلة السعي لنزع السلاح النووي إلى مرحلة اعتماده كأداة ردع متبادل، ما يفتح الباب أمام دخول دول جديدة إلى نادي السلاح النووي، في إطار سباق تسلح متسارع، وقد حذّر المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي من احتمال انضمام دول جديدة إلى هذا السباق.
تحذيرات دولية.. و”عطش نووي”
مع تصاعد النزعة العالمية نحو تعزيز الردع النووي بدلاً من تفكيكه، أطلقت الوكالة الدولية للطاقة الذرية تحذيراً من ظاهرة سمتها “العطش إلى السلاح النووي”، مشيرة إلى أن “خطر اندلاع صراع نووي اليوم أكبر مما كان عليه في أي وقت مضى”.
وفي ظل هذا التوجه، تشهد الترسانات النووية تحديثات متسارعة، حيث أعلنت روسيا صاحبة أكبر عدد من الرؤوس النووية المؤكدة عن تطويرات جديدة، بينما أدخلت الولايات المتحدة قنبلة B61-13 إلى الخدمة، وتخطط الصين لزيادة عدد رؤوسها النووية بحلول عام 2030.
مشهد معقّد وتصريحات نارية
أعادت التصريحات الأخيرة للرئيسين الأمريكي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين تسليط الضوء على مستقبل الصراع النووي، فقد أعلن ترامب أن “الولايات المتحدة تمتلك أكبر ترسانة نووية في العالم”، ووجّه وزارة الحرب ببدء اختبارات فورية على الأسلحة النووية، وردّ بوتين بأن “روسيا سترد بالمثل إذا أجرت أمريكا تجارب نووية”، مكلفاً وزارتي الدفاع والخارجية بدراسة إمكانية استئناف التجارب النووية.
منذ الكارثتين النوويتين في هيروشيما وناغازاكي عام 1945، اللتين أنهتا الحرب العالمية الثانية بثمن بشري باهظ، والعالم يعيش في ظل تهديد نووي دائم، واليوم، ومع وجود أكثر من 12,241 رأساً نووياً، منها أكثر من 9500 جاهزة للاستخدام، يبرز سؤال ملحّ: ما العواقب التي قد تترتب على تسارع سباق التسلح النووي في ظل غياب اتفاقيات ملزمة تحدّ من هذا التصعيد الكارثي؟