دمشق-سانا
يستعد العالم لانعقاد قمة الأمم المتحدة للمناخ (كوب 30) في مدينة بيلم البرازيلية، خلال الفترة من الـ 6 إلى الـ 21 من تشرين الثاني الجاري، بمشاركة قادة دول وعلماء ومنظمات غير حكومية، وممثلين عن المجتمع المدني، لمناقشة أولويات التصدي لتغير المناخ.
يركز المؤتمر هذا العام على حصر الاحترار العالمي في حدود 1.5 درجة مئوية، واستعراض المساهمات الوطنية الجديدة، إلى جانب متابعة الالتزامات المالية التي تم التعهد بها في مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين.
البرازيل تراهن على قيادة المناخ
لم يكن اختيار البرازيل لاستضافة القمة محض صدفة، فالبلد الذي يحتضن أكبر غابة مطيرة في العالم يسعى لتقديم نفسه كنموذج عالمي في حماية التنوع البيولوجي، بعد سنوات من الانتقادات بسبب ارتفاع معدلات إزالة الغابات.
الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا وصف “كوب 30” بأنه “قمة الشعوب”، مؤكداً أن بلاده تهدف إلى إثبات إمكانية تحقيق التنمية الاقتصادية من دون الإضرار بالبيئة، وأن منطقة الأمازون ستكون محور الاهتمام الدولي في القمة المقبلة.
الأمازون.. قلب الأرض المهدد
تمتد غابة الأمازون على أكثر من خمسة ملايين كيلومتر مربع، وتُعرف بـ”رئة العالم”، إلا أن التغير المناخي والنشاط الصناعي الجائر يدفعان هذا النظام البيئي الهش نحو حافة الانهيار.
ووفقاً لتقرير حديث صادر عن البنك الدولي، تجاوزت خسائر إزالة الغابات في الأمازون 13 ألف كيلومتر مربع خلال العام الماضي، فيما تؤكد الأمم المتحدة أن الحفاظ على الغابات يُعد شرطاً أساسياً لتحقيق أهداف اتفاق باريس للمناخ.
تحديات تسبق القمة
رغم الزخم الذي يسبق المؤتمر، لا تزال الخلافات قائمة بين الدول الصناعية والنامية بشأن آليات تمويل التحول الأخضر، إذ ترى الدول النامية أن الاقتصادات الكبرى تتحمل المسؤولية التاريخية الأكبر عن الانبعاثات، ويجب أن تفي بتعهداتها بدفع 100 مليار دولار سنوياً لصندوق المناخ، وهو وعد لم يتحقق بالكامل منذ أكثر من عقد.
في المقابل، تسعى الأمم المتحدة إلى صياغة إطار جديد يضمن “عدالة مناخية”، ويوازن بين مصالح الأطراف المختلفة.
سوريا.. مواجهة المناخ وسط التحديات
تشهد سوريا آثاراً ملموسة لتغير المناخ، من حرائق الغابات إلى موجات الجفاف المتكررة التي تهدد الزراعة، إذ تشير بيانات رسمية إلى أن الحرائق الأخيرة أتت على مساحات واسعة، ما فاقم المخاطر البيئية وقلّص قدرة السكان على التكيف.
وتعمل الحكومة على إعداد خطط لتمويل مشاريع مناخية تستهدف دعم الفئات الأكثر تضرراً، بهدف سد فجوة التكيف وتعزيز القدرة على الصمود في وجه التحديات البيئية والاقتصادية.
كما تواكب سوريا التحضيرات الدولية للمؤتمر من موقعها كدولة لا تزال تواجه آثار الحرب والعقوبات، وتسعى رغم ذلك إلى تعزيز برامج حماية البيئة وإدارة الموارد الطبيعية.
بيلم.. رهان عالمي
تتهيأ مدينة بيلم، الواقعة على ضفاف نهر الأمازون، لاستقبال عشرات آلاف المشاركين من قادة ومسؤولين وخبراء وناشطين بيئيين، وسط استعدادات لوجستية ضخمة.
وتحمل استضافة القمة في قلب الأمازون رسالة رمزية مفادها بأن الحلول المناخية يجب أن تنطلق من المناطق الأكثر تضرراً، وأن حماية الغابات والمياه والموارد الطبيعية لم تعد خياراً، بل ضرورة وجودية.
الوقت ينفد
في تقاريرها الأخيرة، حذّرت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية من احتمال تسجيل مستويات حرارة غير مسبوقة خلال السنوات الخمس المقبلة، ما لم تُتخذ إجراءات عاجلة للحد من الانبعاثات.
ويرى مراقبون أن “كوب 30” قد يمثل الفرصة الأخيرة أمام المجتمع الدولي لتصحيح المسار قبل أن تتحول أزمة المناخ إلى واقع دائم لا رجعة فيه.
بين الخطط الطموحة والحقائق الميدانية الصادمة، يقف العالم على أعتاب قمة جديدة يُفترض أن تعيد الثقة في العمل المناخي الجماعي، ويبقى السؤال: هل تنجح قمة بيلم في تحويل “كوب 30” من مؤتمر للوعود إلى نقطة انطلاق فعلية نحو مستقبل أكثر توازناً وإنصافاً لكوكب الأرض؟.