دمشق-سانا
وسط زخم الأحداث اليومية وتحت وهج الكاميرات، يسقط الصحفيون ضحايا لجرائم لا يُحاسب عليها أحد، ويُخنق صوت الحقيقة، فمنذ عام 2006 حتى 2024، قُتل أكثر من 1700 صحفي حول العالم، في مشهد يعكس هشاشة الحماية وتفاقم الإفلات من العقاب.
كل تهديد لا يُعاقب عليه، وكل اعتداء يُقابل بالصمت، هو حجر يُضاف إلى جدار الخوف الذي يُبنى حول حرية التعبير، فالإفلات من العقاب لا يُفضي فقط إلى تكرار الجرائم، بل يُعد مؤشراً على تفاقم النزاعات وانهيار المنظومتين التشريعية والقضائية.
وفي اليوم الدولي لإنهاء الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة بحق الصحفيين الموافق للثاني من تشرين الثاني، تُجدد الأمم المتحدة دعوتها إلى جميع حكومات العالم لإجراء تحقيقات مستقلة ونزيهة، تضمن محاسبة الجناة وتمكين الصحفيين من أداء مهامهم بحرية وأمان في كل مكان.
وجاء في منشور للأمم المتحدة عبر منصة “إكس”: ”إنهاء الإفلات من العقاب في الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين يُعد من أبرز التحديات وأكثرها تعقيداً في العصر الحديث، وهو شرط أساسي لضمان حرية التعبير وتمكين المواطنين من الوصول إلى المعلومات”.
غوتيريش: الصحفيون في مواجهة الخطر
الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، أكد أن الإعلاميين حول العالم يواجهون مخاطر متصاعدة في سعيهم وراء الحقيقة، تشمل التهديدات القضائية والاعتداءات الجسدية والسجن والتعذيب وحتى القتل، مشيراً إلى أن 9 من كل 10 جرائم قتل بحق الصحفيين تبقى دون حل، وحذر من أن الإفلات من العقاب لا يضر بالضحايا وعائلاتهم فحسب، بل يُقوّض حرية الصحافة ويُشجع على مزيد من العنف، ويُهدد أسس الديمقراطية.
غزة.. الأخطر على الصحفيين
وأوضح غوتيريش أن 90% من جرائم قتل الصحفيين حول العالم لا تزال دون حل، وأن غزة باتت الأكثر دموية وخطورة على حياة الصحفيين، وجدد دعوته لتحقيقات مستقلة ومحاسبة الجناة، مشيراً إلى أن إسكات الصحفيين يعني إسكات صوت المجتمع بأسره، كما شدد على ضرورة التصدي للتهديدات الرقمية التي تستهدف الصحفيات، فالفضاء الرقمي يجب أن يكون بيئة آمنة لمن ينقلون الحقيقة.
من جهته، وصف الأمين العام للاتحاد الدولي للصحفيين أنتوني بيلانجر، قطاع غزة بأنه أخطر مكان للصحفيين في التاريخ الحديث، مبيناً أن إسرائيل تتبع سياسة ممنهجة لإسكات الشهود عبر استهداف الصحفيين.
وأكد أن مهنة الصحافة لم تشهد مجزرة مماثلة حتى في أكثر الحروب دموية، حيث تحولت غزة إلى “أسوأ مقبرة للصحفيين في العصر الحديث”، لافتاً إلى أن الصحفيين الفلسطينيين، يتحملون وحدهم عبء نقل الحقيقة، وحذر من أن الصمت يعني انتصار الجلادين.
بيلانجر أوضح أن الاتحاد الدولي للصحفيين يواصل دعم المراسلين وعائلاتهم عبر “صندوق السلامة الدولي”، ويحث الأمم المتحدة على إلزام الدول بحماية الصحفيين ومحاسبة الجناة وفق القانون الدولي، مؤكداً أن حماية الصحفيين ليست مجرد شعار، بل مسألة بقاء.
الإفلات من العقاب.. خطر يتسع
لا يقتصر أثر الإفلات من العقاب على الصحفيين وحدهم، بل يُغذي العنف ويُضعف سيادة القانون، ووفقاً لتقرير المديرة العامة لليونسكو لعام 2024، فإن غياب المحاسبة يُفاقم النزاعات، ويُقوّض الأنظمة القضائية، ويُخفي انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان والفساد والجريمة، ما يُلحق الضرر بالمجتمعات بأكملها.
وتؤكد الأمم المتحدة أن هذه المخاطر تُقيد حرية تداول المعلومات وتُضعف الدور الرقابي للإعلام، بينما يستمر الإفلات من العقاب في بث الخوف بين الصحفيين.
خطة الأمم المتحدة: حماية الصحفيين
تُعد خطة عمل الأمم المتحدة بشأن سلامة الصحفيين ومسألة الإفلات من العقاب الإطار الدولي الأشمل لمعالجة هذه القضية، من خلال تنسيق الجهود بين وكالات الأمم المتحدة والحكومات ووسائل الإعلام ومنظمات المجتمع المدني، وقد أسهمت الخطة في إنشاء آليات حماية وطنية في نحو 50 دولة، وعززت سيادة القانون وحماية الصحفيين.
في عام 2013، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة الثاني من تشرين الثاني يوماً دولياً لإنهاء الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين، إحياءً لذكرى اغتيال صحفيين فرنسيين في مالي، ودعت الدول الأعضاء إلى اتخاذ إجراءات ملموسة لمكافحة ثقافة الإفلات من العقاب، وضمان محاسبة الجناة، وصون حرية الصحافة.