القدس المحتلة-سانا
في مثل هذا اليوم من عام 1917 وجه وزير خارجية بريطانيا آنذاك آرثر جيمس بلفور رسالة إلى اللورد اليهودي ليونيل وولتر دي روتشيلد أحد زعماء الحركة الصهيونية بأمر من رئيس حكومته ديفيد لويد جورج، أكد فيها أن بريطانيا ستبذل كل جهدها لإقامة كيان لليهود على أرض فلسطين.
الرسالة جاءت بعد محادثات استمرت ثلاث سنوات بين الحكومة البريطانية من جهة، واليهود البريطانيين والمنظمة الصهيونية العالمية من جهة أخرى، استطاع خلالها الصهاينة إقناع بريطانيا بقدرتهم على تحقيق أهدافها والحفاظ على مصالحها في المنطقة، ليشكل ذلك نقطة سوداء في تاريخ البشرية جمعاء بحق الشعب الفلسطيني المتجذر في هذه الأرض منذ آلاف السنين.
وتمكنت الحركة الصهيونية من استغلال ذلك التصريح ومن ثم صك الانتداب، وقرار الجمعية العامة رقم 181 لعام 1947 أو ما عرف بقرار تقسيم فلسطين، لتحقق ما خططت له بإقامة “إسرائيل” في الخامس عشر من أيار عام 1948، في سابقة بتاريخ النظام السياسي العالمي، حيث هجرت “إسرائيل” بعد ذلك الغالبية الكبرى من الشعب الفلسطيني، واستولت على المزيد من الأراضي الفلسطينية والعربية، وواصلت حتى اليوم ارتكاب المجازر بحق من تبقى من الشعب الفلسطيني على أرضه.
ورغم أن وعد بلفور باطل من الناحية القانونية، وبالتالي فإن كل ما نتج عنه باطل، ورغم أن هذا الوعد يتعارض بشكل قاطع مع أحد أهم مبادئ القانون الدولي، ألا وهو مبدأ حق تقرير المصير الذي طالما نادت به الدول الغربية، إلا أن تداعياته ما زالت حاضرة ومستمرة، من خلال الجريمة التي كان ضحيتها الشعب الفلسطيني الذي تستمر معاناته بسبب هذا الوعد، فالنكبة شرّدته من دياره عام 1948، وتم احتلال ما تبقى من أرضه في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية عام 1967، فيما لا يزال القتل والتدمير وكل أشكال الانتهاكات الإسرائيلية مستمرة حتى يومنا هذا، مثلما شهد العالم أجمع على مدى عامين في قطاع غزة من إبادة جماعية وتدمير وتجويع وحصار.
واليوم تحاول الدول التي شاركت في دعم إقامة “إسرائيل” على أرض فلسطين، وعلى رأسها بريطانيا التي صدر عنها الوعد المشؤوم، تعديل موقفها عبر الاعتراف بدولة فلسطين وحقوق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، إلا أن ذلك لا يعفيها من المسؤولية التاريخية والأخلاقية عن الأوضاع الكارثية التي يعيشها هذا الشعب وشعوب المنطقة بفعل سياسة التوسع والعدوان الإسرائيلية.
ومع مرور 108 أعوام على وعد بلفور يواصل الشعب الفلسطيني رغم كل ما تعرض له من قتل وتهجير وتشريد نضاله وصموده وتمسكه بحقه في إقامة دولته المستقلة على أرضه وعاصمتها القدس.