دمشق-سانا
مع سريان اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة منذ العاشر من الشهر الجاري بعد عامين من الحرب، بدأ آلاف الفلسطينيين بالعودة إلى أحيائهم المدمّرة على أمل استعادة ملامح الحياة، لكنهم وجدوا أنفسهم في مواجهة خطر الذخائر والألغام الإسرائيلية غير المنفجرة التي خلفتها قوات الاحتلال قبل انسحابها وفق الاتفاق.
تحذيرات أممية
الأمم المتحدة حذرت مبكراً، وأرسلت رسائل واضحة وصريحة بهذا الخصوص على لسان رئيس بعثتها المتخصصة بالإجراءات المتعلقة بالألغام لوك إيرفينغ، الذي أكد أن إزالة هذه الذخائر تحتاج إلى وقت طويل وجهود دولية واسعة، محذراً من أن أي استعجال في العودة دون تطهير كامل للمناطق قد يؤدي إلى مآسٍ إنسانية جديدة.
وتقدر الأمم المتحدة أن ما بين 5 و10 بالمئة من الذخائر التي أطلقتها قوات الاحتلال الإسرائيلي على القطاع لم تنفجر، وهي نسبة كافية لتحويل الأحياء السكنية والمزارع والطرقات إلى حقول موت متناثرة، ففي كل زاوية من القطاع وخلف كل حجر يمكن أن تختبئ قنبلة أو قذيفة إسرائيلية لم تنفجر بعد، لتتحول إلى تهديد دائم يعيق عودة الأطفال إلى مدارسهم، ويمنع المزارعين من الوصول إلى أراضيهم، ويجعل من إعادة الإعمار مغامرة محفوفة بالمخاطر.
تحديات ميدانية ونداءات استغاثة
ميدانياً تعمل فرق الهندسة الفلسطينية منفردة وبإمكانات محدودة وسط ظروف خطرة للغاية تترك عداد الموت يعمل على مدار الساعة، حيث يقول المهندس محمد مقداد رئيس شعبة الهندسة والمتفجرات في غزة لوسائل إعلام فلسطينية: إنه منذ بدء وقف إطلاق النار تم تنفيذ أكثر من 170 مهمة لتحديد وإزالة الذخائر غير المنفجرة في مدينة رفح وحدها، مشيراً إلى صعوبة المهمة بسبب الأدوات البسيطة وانعدام مقومات الحماية الكافية، ما يعرض المهندسين والمواطنين للخطر.
وأوضح مقداد أن كثيراً من الذخائر الإسرائيلية المستخدمة في الحرب الأخيرة تحمل خصائص تقنية معقدة تجعل التعامل معها أكثر خطورة، مبيناً أن بعض القنابل قد تظل مستقرة لأسابيع قبل أن تنفجر بمجرد لمسها أو تحريكها.
من جهتها، ناشدت وزارة الداخلية في غزة المنظمات الدولية فتح ممرات لإدخال معدات الحماية الشخصية ووسائل الكشف الميداني، مؤكدة أن فرقها تتعامل يومياً مع الذخائر المتبقية من القصف الإسرائيلي دون أي دعم تقني أو تجهيزات متطورة.
إرث الحروب الإسرائيلية
وهذه ليست المرة الأولى التي يواجه فيها قطاع غزة هذا الخطر، إذ إن الحروب الإسرائيلية السابقة على القطاع خلفت كميات هائلة من مخلفات القصف الإسرائيلي، بعضها لا يزال تحت الأرض منذ أكثر من عقد، إلا أن حرب الإبادة الجماعية الأخيرة كانت الأعنف والأطول، واستخدمت فيها أنواع متعددة من القذائف والصواريخ، ما يجعل عملية الإزالة أكثر تعقيداً
من أي وقت مضى.
ووفق خبراء أمميون فإن عمليات المسح الميداني الأولية كشفت عن كثافة غير مسبوقة في عدد الذخائر غير المنفجرة داخل المناطق السكنية المكتظة، الأمر الذي يزيد من صعوبة عمل الفرق الهندسية في ظل الحصار المفروض على القطاع.
إعادة الإعمار تبدأ من تحت الركام
وتمثل عملية إزالة الذخائر غير المنفجرة الخطوة الأولى والأساسية في مسار إعادة إعمار غزة، فبدونها لا يمكن إطلاق أي مشروع للبناء أو إعادة تأهيل البنى التحتية، حيث تؤكد الأمم المتحدة أن المجتمع الدولي مدعو لتوفير الدعم الفني والمالي لتسريع عمليات التطهير وضمان عودة آمنة للسكان، مشيرة إلى أن استمرار وجود هذه الذخائر يعرقل وصول المساعدات الإنسانية ويهدد سلامة العاملين في المنظمات الدولية.
وينظر إلى اتفاق شرم الشيخ لوقف إطلاق النار الذي نص على وقف شامل للأعمال العسكرية وفتح ممرات إنسانية عاجلة لإدخال المساعدات، إلى جانب التزام الأطراف بتسهيل مهام فرق الإغاثة وإعادة الإعمار، بوصفه خطوة أولى نحو استقرار طويل الأمد في غزة وستكون عمليات إزالة الذخائر غير المنفجرة اختباراً حقيقياً لجدية المجتمع الدولي في مساعدة القطاع على استعادة عافيته والركون إلى الاستقرار.
يذكر أن العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة منذ السابع من تشرين الأول عام 2023 أدى إلى ارتقاء أكثر من 67 ألف فلسطيني، وإصابة عشرات الآلاف فضلاً عن دمار كبير وهائل في البنى التحتية في مختلف مناطق القطاع.