اللاذقية-سانا
في مشهد يفيض بالأمل، ويجسّد إرادة الصمود، عاد أهالي قرى ريف اللاذقية إلى أراضيهم الزراعية بعد سنوات من النزوح والحرمان، حاملين معهم أدوات بسيطة وعزيمة لا تلين، لإعادة الحياة إلى الأرض التي تربطهم بها جذور عميقة، رغم ما خلفته الحرب من دمار طال الأشجار والمزروعات.

رئيس الجمعية الفلاحية في بلدة سلمى، عمار خالد، أوضح أن المزارعين يواجهون تحديات جسيمة في تنظيف وتعزيل الأراضي التي طالتها يد التخريب، حيث قُطعت معظم الأشجار المثمرة، وهم بحاجة إلى إعادة تأسيس الأرض من جديد، وتوفير الآليات اللازمة لحرثها وتمهيدها، إضافة إلى غراس التفاح والزيتون والخوخ والدراق التي كانت تميز جبل الأكراد، فضلاً عن أنظمة ري حديثة لمواجهة خطر جفاف المياه الجوفية.
ورغم ضعف الدعم اللوجستي والمادي، ونقص المعدات والوقود والسماد، يواصل الأهالي جهودهم في استصلاح الأرض، وسط دعوات للمنظمات الإنسانية لدعم هذه المناطق التي تنبض بالحياة من جديد.

عماد شفيق حمدو، أحد العائدين إلى قريته، عبّر عن شوقه للأرض بعد 14 عاماً من الغياب، قائلاً: “عدنا رغم كل شيء، لأن جذورنا هنا، نحاول بإمكاناتنا القليلة إصلاح الأرض والبيوت والعيش في أرضنا”، أما المواطن صبري أندريون، فقد استذكر مواسم الزيتون التي كانت تملأ المكان، مؤكداً أن الأشجار قُطعت لكن الأمل لم يُقطع، قائلاً: “نطمح أن نعيد الحياة كما كانت”.

وفي مبادرة تحمل روح الجماعة، أطلق محمد حمدو مشتل “الإخلاص” لإنتاج غراس التفاح والخوخ وتوزيعها على المزارعين، في خطوة تهدف إلى إعادة تشجير الأراضي وإحياء مواسمها الزراعية.
وتأتي هذه العودة في سياق أوسع من محاولات إعادة الإعمار المجتمعي في المناطق التي صمدت أمام الحرب، حيث يشكل استصلاح الأراضي الزراعية ركيزة أساسية في تعزيز الأمن الغذائي، واستعادة دورة الإنتاج المحلي، وتمكين السكان من الاستقرار، فعودة الحياة إلى ريف اللاذقية ليست مجرد حدث زراعي، بل هي رسالة إنسانية تعبّر عن تمسك الناس بأرضهم، وإصرارهم على تحويل الألم إلى إنتاج، والخراب إلى خضرة.